غزة: وظلم ذوي القربى

TT

أقدمت شرطة حركة حماس على إغلاق منتجع في غزة بسبب إقامة حفلات «هابطة ومختلطة بشكل غير أخلاقي» على حسب التبرير الذي ورد في الخبر. المعلومات عن الحادثة نفسها تشير إلى أن المواطنين الذين أُخرجوا من المنتجع بفعل القرار الحماسي كانوا على وشك تناول طعام الإفطار وأن من بين أولئك المخرجين من المكان جمعيات خيرية للأيتام.

نشر الخبر في إعلامنا على نحو مقتضب ومبتور، فلم نفهم كيف تحول حفل إفطار رمضاني إلى مناسبة «هابطة» وما هي معايير ذلك الهبوط.

على أي حال، لم يثر الخبر الكثير من اهتمام الصحافة والإعلام العربي. بل إن الإعلام الذي نشر القصة أوردها في الأغلب في صفحات داخلية أو في مواقع هامشية من مجمل التغطية الإخبارية، هذا في حال ورد الخبر أصلا.

ليست حادثة المنتجع في غزة معزولة عن سياق متكرر ومشابه، فقبل أسابيع أحرق مسلحون مخيما صيفيا للأولاد تنظمه الأونروا بذريعة اختلاط الصبيان والبنات واحتمال ممارستهم لرياضة السباحة. بل إن الحصار المفروض على غزة والضائقة المستمرة على أهلها لم تحل دون سهر حركة حماس على مراقبة «الآداب العامة» والتأكد من أن محال الملابس النسائية تراعي مبدأ الحشمة على دمى العرض المنثورة على مداخلها تحت طائلة العقاب لمن يخالف. ضائقة الغزيين لم تحل دون أن تتأكد حركة حماس من أن النساء لا يدخنّ النارجيلة في الأماكن العامة وأن الرجال لا يعملون في محال التزيين النسائية...

هل ننسى كيف منعت وزارة التربية في غزة كتاب «قول يا طير» الغني بالحكايات الشعبية بحجة «ورود تعابير جنسية خادشة للحياء»..

ليست تلك الأحداث على هامش المتن الغزّاوي رغم تجاهل الكثير من الإعلام لها. إن ما يجري في غزة هو أبعد بالتأكيد من حادث عرضي أو تقدير خاطئ لحركة حماس. إن ما يجري هو جوهر مشروع الحركة وديدنها الحقيقي. فحركة حماس التي تسلمت قطاع غزة بالقوة وبالنار محصنة عن المساءلة والمحاسبة ولا تسأل عن ممارساتها اليومية وعسفها على أهل القطاع بسبب طغيان وجهة المقاومة أو التلطي تحت شعاراتها.

لا تكل حركة حماس عن تغيير ملامح القضية الفلسطينية وطمس بعدها الإنساني من خلال دأبها على طرد ومحو التاريخ والواقع العلماني للفلسطينيين. والمتضامنون مع قضية غزة وأهلها لم يشمل تضامنهم الحيف اللاحق بأهل غزة جراء إمساك حماس بحياتهم وبأشكال تصريف عيشهم. فالطريق إلى مقاومة الحصار الإسرائيلي معروفة وأحيانا منتجة، أما مقاومة الظلام الذي تفرضه حماس على حياة الناس هناك فلا تصاريف له في خطاب التضامن مع الفلسطينيين، وما أجمل أن تضم سفن التضامن التي تتحدى الحصار الإسرائيلي بعضا من التحدي للحصار الذي تفرضه حماس على حياة الناس هناك..

لا يسعنا ونحن نقرأ بعضا من يوميات غزة في ظل حركة حماس سوى استذكار مقاطع لمحمود درويش في قصائده الأخيرة عن غزة قبيل رحيله:

«إن لم نجد من يهزمنا هزمنا أنفسنا بأيدينا»..

diana@ asharqalawsat.com