كيف تصبح صديقا محبوبا؟

TT

سألتني مذيعة هيئة الإذاعة البريطانية (bbc) - قبل أيام - «هل يمكن للشخص تكوين صداقات معتمدا على ما يقرأه من نصائح في الكتب؟»، وكانت إجابتي بالإيجاب طبعا، لسبب بسيط وهو أنه أفكار الكتاب إذا ما كانت واقعية وقابلة للتطبيق فإنها بلا شك سوف تؤثر في القارئ. ولولا أن الأفكار المكتوبة لا تسهم في تغيير سلوك الأفراد لما تصدرت مبيعات كثير من الكتب الأجنبية والعربية القوائم الأكثر مبيعا، ولما ترجم بعضها إلى لغات عديدة. على الصعيد الشخصي، لو أن ما يُكتب لا يؤثر في سلوك شريحة من الناس لما أهدرت وقتي في تأليف الكتب، فضلا عن كتابة مئات المقالات المتخصصة في الإدارة وتطوير الذات في هذه الصحيفة وغيرها.

أعتقد أنه لو أحسن الفرد منا اختيار الكتب المناسبة التي تساعد على تقوية مهاراته الذاتية في التواصل مع الآخرين وكسب ودهم لتمكن من تكوين قاعدة عريضة من الأصدقاء، ولربما يصبح بعد فترة صديقا محبوبا لديهم لرقيه في التعامل معهم. ومن هذه الكتب «الكلاسيكية» الرائعة، التي ما زالت تتصدر قائمة الكتب الأكثر رواجا وتأثيرا في الناس، كتاب «كيف تكسب الأصدقاء وتؤثر في الناس؟»، فرغم قيام مؤلفه ديل كارنيجي بنشره عام 1937م، فإن كل أفكاره ما زالت تنبض بالحياة وكأنها كتبت لكل العصور. يقول كارنيجي إنك لكي تجعل الآخرين يحبونك: «أشعر الناس باهتمامك بهم من دون تكلّف، تبسم بعفوية دائما، وكن منصتا جيدا، وشجع الآخرين على التحدث عن أنفسهم، واجعل حديثك يدور في فلك اهتماماتهم». هذه وصفته لتكون صديقا محبوبا. ويلفت نظرنا أيضا إلى نقطة مهمة وهي ضرورة جعل الآخرين يشعرون بأهميتهم شريطة أن نفعل ذلك بصدق. ومن الأسرار الأخرى في كسب مودة الناس أن نظهر تعاطفنا وتفاعلنا مع أفكارهم وحاجاتهم ورغباتهم. ومن الأفكار الجميلة التي أعجبتني هي «أن تشعر محدثك بأن الفكرة فكرته» لا أن تحاول التلميح بأنك أنت صاحب هذه الفكرة العبقرية، لأنك ببساطة إن فعلت ذلك فقد أشبعت رغبة داخلية فيك ولم تؤثر إيجابيا في الآخر. ونلاحظ أن كل ما سبق أفكار عملية وقابلة للتطبيق مع أصدقائنا.

أما المشكلة التي تواجه كثيرا من الناس فهي كيف يبدأ المرء بالحديث مع شخص يتعرف إليه لأول مرة، خصوصا إذا كان يريد أن يكسب وده. ونقول إن أفضل بداية لكسب ود الإنسان هي «الطريقة الودية» العفوية، كأن تسأل أو تعلق على حالة الطقس، أو تشير إلى أمر طريف شاهدته حولك، أو تسأل أحد الحاضرين في لقاء اجتماعي عن صاحب الدعوة، أو تعلق على بوفيه الطعام وغيره، شريطة أن نستقبل الآخرين بالبشاشة والتبسم، لأن الابتسامة هي أكثر ما يولد الانطباع الأول في أذهان الناس. وإني لأعجب كيف يشتكي البعض من ضيق دائرة معارفه وهو لا يتبسم طوال النهار!

وأذكر أنني قد قرأت حديثا جميلا يصور أسباب وقوعنا في حب الأصدقاء دون غيرهم حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تنافر منها اختلف». ذلك أن روح الإنسان تجد ضالتها في شخصية تشاطرها نفس الصفات والاهتمامات، والعكس بالعكس. ولذا يجب أن لا نفرط في هذا الصديق إن عثرنا عليه؛ بل وينبغي معاملته بأرقى طرق التعامل الممكنة.

ولنتذكر أن كل شخص نقابله هو مشروع صداقة حتى ولو لم «يملأ أعيننا» من النظرة الأولى، فالصداقة تحتاج إلى وقت لكي تتعزز وشائج المحبة، وتتجذر أكثر عندما نتفنن نحن في معاملة الأصدقاء بود ومحبة وإحسان بالظن.

[email protected]