ثم لا يقرأها أحد!

TT

ذهبت إلى أكشاك الصحف في باريس أبحث عن مجلة (الفلسفة) فلم أجدها. وقيل نفدت. مجلة للفلسفة تجد من يقرأها ثم تنفد. فذهبت إلى مكان آخر ولاحظت أن هناك إعلانات عن هذه المجلة وصورة كبيرة للغلاف. وسألت إن كانت قد أصدرت عددا خاصا. فقال البائع: لا.. فسألته: وأنت تعلن عنها بصورة بارزة متميزة؟

فاندهش الرجل لسؤالي.. ولم يرد. إما لأن السؤال لم يكن مفهوما. أو أن الإعلان عن الأعداد الجديدة من المجلات أمر عادي. ولكن هذه مجلة موضوعها الفلسفة. فكيف يعلنون عنها ثم كيف تنفد. هل من المعقول أن تنفد مجلة موضوعها الفلسفة.

وليس ذلك غريبا في فرنسا، فالناس يقرأون ومثقفون أدبا وفلسفة وتاريخا وعلوما أخرى. ووجدت العدد الجديد. ورحت أقلبه. إنها موضوعات شعبية. أو موضوعات تهم كل الناس، ولكن مكتوبة بأسلوب مختلف.. مثلا: هل تستطيع أن تغير حياتك.. هل المباراة الأخيرة في كرة القدم تستأهل كل هذا الاضطراب العصبي.. من الذي قتل الفيلسوف الفرنسي ديكارت.. وصورة لأحد الفلاسفة الجدد من الذين لا أعرفهم.. ولا أعرف كيف أصنفه بين المدارس الأدبية.. وقضية: لماذا المرأة ليس لها مذهب فلسفي.. وهل صحيح أن كل الفيلسوفات ظهرن في ظل رجل فيلسوف: السيدة سيمون دوبوفوار والفيلسوف سارتر.. والفيلسوف حنا أرنت والفيلسوف مارتن هيدجر.. وبنات الفيلسوف فيثاغورس.. إنها قضية فعلا..

والغريب أن هذه المجلة تلقى اهتماما من الناس.. وليسوا بالضرورة من دارسي الفلسفة وإنما هم أدباء مفكرون.. ولذلك كانت لها شعبية ويعلنون عنها ويسأل الناس فيجدون أنها قد نفدت.. أقول قولي هذا وأمامي العدد الأخير من مجلة (الفلسفة) التي يصدرها المجلس الأعلى للثقافة والتي أرأس تحريرها. أقول الحقيقة إذا اعترفت بأن أحدا لا يستطيع أن يقرأها إلا إذا كان متخصصا في الفلسفة. فالموضوع جاف والعبارة خشنة والمضمون غامض وليس عندنا أمل في أن يقرأها أحد - مع الأسف!