الجهل بالشيء خير من العلم به

TT

شكرا للأخ حيدر الطائي من الإمارات على توجيه نظري إلى هذه الغلطة التي وردت في مقالتي «تهافت التباهي»، حيث ذكرت ثمن ساعة الرولكس بستين دولارا. أرجو ألا تقيم هذه الشركة السويسرية الذائعة الصيت دعوى علي للحط من قيمة ساعاتها. الصواب طبعا هو ستين ألف دولار. ولكن كيف ولماذا وقعت في هذه الغلطة، بل وكررتها مرتين؟ يقول علماء النفس إن الوقوع في غلط أو سهو كثيرا ما يعبر عن ذهنية وتفكير صاحبه. وهذا ما جرى يا أخي الطائي. فأنا غير معتاد على شراء ساعة بأكثر من مائة باوند. والساعة التي على يدي الآن اشتريتها بعشرين باوند فقط. ومن ثم فيعجز دماغي عن التفكير بألوف الدولارات ثمنا لساعة تستطيع أي ساعة رخيصة أن تقوم بمثل عملها وربما أحسن.

يذكرني مثلي هذا في العجز عن التعامل بأكثر من مائة دولار بالأعرابي الذي غنم قطعة كبيرة من السجادة الملكية في بلاط أنوشروان عندما استولى العرب على طيسفون ونهبوا قصره. عاد مبتهجا وأخبر قومه بأنه باع تلك القطعة بألف دينار. فضحكوا عليه وأنبوه وقالوا له يا مغفل هذه القطعة تساوي أكثر من ذلك بكثير. قال: «ماذا بعد الألف؟ هل هناك شيء أكثر من ألف؟»

غير أنني أعترف بأنني أبيع بعض الساعات بمثل هذه الأسعار الخيالية. فحالما يكرمني أحد ما بساعة ثمينة، أعود بها إلى لندن وأبيعها فورا للدكاكين الهندية. فأنا من المؤمنين بأن المفلس في القافلة آمن. فلا أريد أن أحمل ما يجلب إليّ أنظار النشالين والسالبين، ولا أعين الحساد والمنافقين، ولا طمع الغانيات والفنانات. شخصيتي تنقصها غريزة التباهي.

وعلى أي حال، فأنا أغنى من ذلك الرجل الذي لم يستطع أن يشتري ساعة لنفسه. جلس في القطار وسأل يهوديا كان بجانبه عن الوقت. لم يجبه. كرر السؤال، ولم يجبه. فغضب الرجل وقال للتاجر اليهودي، لماذا لا تجيبني؟ قال ولماذا أجيبك؟ إذا أجبتك فربما تسألني عن دقة ساعتي وهل كانت مضبوطة تماما. أقول لك نعم. إنها لا تقع في أي غلط. فتسألني من أين اشتريتها. أقول لك من الساعاتي فرتز على رأس شارعنا. فتلتمس مني أن أصطحبك إليه. فآخذك إليه. ثم يخطر لك أن تكافئني على مساعدتي فتدعوني لشرب القهوة في بيتك. فألبي الدعوة وعندئذ يقتضي عليّ أن أرد الضيافة بمثلها فأدعوك لتناول البيرة في بيتي. فتأتي ومعك ابنك. وأنا عندي في البيت ابنتي سلفيا التي أحبها حبا جما وأحرص على مستقبلها. يراها ابنك فيقع في حبها ويدعوها للمسرح. وتنشأ بينهما علاقة غرامية ويقرران الزواج في الأخير».. وهكذا يا سيدي، أكون السبب في زواج ابنتي بشاب والده لا يملك ما يشتري به ساعة يضعها على يده ويسأل الناس عن الوقت»!