نجاح «المفاوضات المباشرة» يتوقف على مدى الجدية الأميركية

TT

لا يمكن الجزم بأن «المفاوضات المباشرة» بين الفلسطينيين والإسرائيليين، التي من المقرر أن تبدأ في مبنى الخارجية الأميركية في واشنطن في الثاني من سبتمبر (أيلول) المقبل ثم تنتقل بعد جلسة افتتاحية إلى شرم الشيخ في مصر، ستحقق النجاح الذي بقي متعذرا منذ توقيع اتفاقيات أوسلو في مطلع تسعينات القرن الماضي والذي ازداد صعوبة وبات شبه مستحيل بعد تحول المجتمع الإسرائيلي نحو التطرف واليمينية ووصول القرار بالنسبة لهذه المسألة الاستراتيجية المهمة إلى يد هذا التحالف الذي يقوده بنيامين نتنياهو بأفكاره وتوجهاته المعروفة. فرئيس الوزراء الإسرائيلي، الذي دأب على رفض ما يعتبره شروطا مسبقة، بادر في تصريحات أطلقها بهذا الخصوص يوم الأحد الماضي إلى تحديد شروطه للتوصل إلى اتفاق سلام مع الفلسطينيين، وقال إن هذه الشروط ترتكز إلى «ثلاث لبنات رئيسية» هي: الترتيبات الأمنية، ويهودية الدولة الإسرائيلية، وإنهاء الصراع بإقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح.

والمعروف أن الفلسطينيين ومعهم العرب إن كان لديهم استعداد، أظهروه سابقا أكثر من مرة، لمناقشة موضوع الترتيبات الأمنية، وبالطبع لمناقشة مسألة إنهاء الصراع حتى على أساس إقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح، فإنه ليس لديهم أي استعداد وعلى الإطلاق للدخول في مفاوضات حول يهودية الدولة الإسرائيلية، فهذا الأمر سيؤثر على المدى القريب والبعيد على فلسطينيي عام 1948 وهو سيشكل حتما مبررا لاقتلاعهم من المناطق التي يوجدون فيها في الجليل وفي عكا والناصرة وحيفا ويافا واللد والرملة ومنطقة بئر السبع في الجنوب وتهجيرهم إلى الضفة الغربية وربما حتى إلى خارج فلسطين التاريخية كلها.

ولعل ما يعزز القناعة لدى المتشائمين القائلين إن هذه المفاوضات «المباشرة» التي ستبدأ في الثاني من الشهر المقبل في واشنطن في مبنى وزارة الخارجية الأميركية، ثم تنتقل بعد جلسة افتتاحية، لن يحضرها لا العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، ولا الرئيس المصري حسني مبارك، إلى شرم الشيخ، بمشاركة حقيقية وفعلية من قبل جورج ميتشل وطاقمه الأميركي لن تكون إلا مجرد نسخة مكررة من «أنابوليس» و«كامب ديفيد الثانية» وإنها ستنتهي إلى الفشل كما انتهت كل المفاوضات السابقة التي استمرت متقطعة منذ عام 1994 وحتى جولة المفاوضات غير المباشرة الأخيرة.

وحقيقة، وللحكم على هذه المفاوضات التي تتميز عما سبقها، أنها جاءت بعد جولات مكوكية ومفاوضات ماراثونية، قام بها صانع السلام في آيرلندا الشمالية، جورج ميتشل في الشرق الأوسط، وأجراها مع أطراف الصراع في هذه المنطقة، وكل هذا كان برعاية حثيثة من قبل الإدارة الأميركية السابقة والإدارة الديمقراطية الجديدة، حيث بقي باراك أوباما يكرر ما كان قاله سلفه جورج بوش (الابن) بأن الولايات المتحدة ملتزمة بحل الصراع العربي - الإسرائيلي على أساس قيام دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب الدولة الإسرائيلية.

وهنا فإن الجديد، الذي يجب التوقف عنده لمعرفة ما إذا كان الأميركيون جادين هذه المرة. وإذا كان أوباما سيذهب إلى أبعد ما كان ذهب إليه الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون في الضغط على الإسرائيليين وعلى بنيامين نتنياهو هذا نفسه، هو أن واقع المصالح الأميركية في الشرق الأوسط اليوم هو غير واقع الأمس وأن هذا هو ما دفع كبار الجنرالات الأميركيين إلى اعتبار أن عرقلة العملية السلمية من قبل حكومة بنيامين نتنياهو تعرض هذه المصالح لمخاطر فعلية.

وفي هذا الاتجاه فإنه يمكن التأكيد، بالاستناد إلى معلومات من مصادر مسؤولة ومطلعة وذات مصداقية، أن الإدارة الأميركية هي التي وقفت وراء بلورة بيان الرباعية الدولية الذي تضمن كل ما يريده الفلسطينيون والعرب من التشديد على وقف الاستيطان بكل أشكاله وصوره، ومن اعتبار أن إنهاء الاحتلال وقيام الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من يونيو «حزيران» عام 1967 يشكلان ركيزة أساسية ورئيسية من ركائز السلام وإنهاء الصراع في المنطقة، وهذا ما قاله المسؤولون الأميركيون المكلفون بمتابعة هذه المسألة للقيادة الفلسطينية، عندما تعقدت الأُمور بعد تلك التصريحات الاستفزازية التي أطلقتها وزيرة الخارجية الأميركية وتحدثت فيها عن ضرورة بدء مفاوضات الثاني من سبتمبر المقبل من دون شروط مسبقة.

تجدر الإشارة هنا إلى أن الأميركيين كانوا قد مرروا بيان اللجنة الرباعية، هذا المشار إليه آنفا، إلى القيادة الفلسطينية في رام الله، قبل يومين من إعلانه بصورة رسمية، وأن اجتماعا لحركة فتح، برئاسة محمود عباس (أبو مازن) قد ناقش هذا البيان من زاوية أنه يمثل وجهة نظر الإدارة الأميركية، وأنها هي التي تقف خلفه، وأنه يشكل مرجعية الدعوة التي وجهها الرئيس باراك أوباما للفلسطينيين والإسرائيليين للبدء بالمفاوضات المباشرة التي جرى تحديد موعدها في الثاني من الشهر المقبل في واشنطن.

وهكذا فإن ما يحسم مسألة فشل أو نجاح مفاوضات الثاني من سبتمبر هو مدى جدية الإدارة الأميركية في ممارسة ضغط حقيقي على الجانب الإسرائيلي يساوي ضغطها على الجانب الفلسطيني أو يقترب منه، والواضح أن الأميركيين جادون هذه المرة، ودلالة هذا، بالإضافة إلى أدلة كثيرة أُخرى، أنهم أبلغوا الفلسطينيين، وأبلغوا بعض العرب أيضا، أن كلينتون عندما تحدثت عن رفض «الشروط المسبقة» في تصريحاتها الآنفة الذكر، فإنها كانت توجه كلامها أيضا إلى الإسرائيليين الذين كما هو معروف يواصلون التمسك بضرورة الاعتراف بيهودية الدولة الإسرائيلية، كشرط مسبق للتوصل إلى اتفاق سلام مع منظمة التحرير الفلسطينية.

ويبقى أنه لا بد من سؤال الذين بادروا فورا إلى رفض بيان الرباعية حتى قبل أن يقرأوه وإلى رفض الدعوة الأميركية قبل أن يطلعوا على مضمونها عن البديل لهذه الحركة السلمية التي قد يكون هناك اتفاق على أن مصيرها هو الفشل، وكل هذا مع ضرورة الأخذ بعين الاعتبار أن كل هذه التطورات هي بمثابة معركة سياسية مصيرية، لا بد من خوضها بجدارة على الأقل لفرض المزيد من العزلة على إسرائيل إذا لم تتوفر إمكانية إنجاز تقدم حقيقي على طريق السلام المنشود.