باكستان هي المعتدي الحقيقي في الحرب الأفغانية

TT

بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001 أصبحت أفغانستان مثالا نادرا على التوافق الدولي. فقد أخذ المجتمع الدولي على عاتقه، وسط مصالح دولية وإقليمية متنافسة، مهمة التدخل العسكري الذي وافق عليه وشرعه مجلس الأمن الدولي. من المعروف أن «القاعدة» كانت تتخذ من أفغانستان ملاذا بدعم وكالة الاستخبارات الباكستانية. وأن تفكيك البنية التحتية للإرهاب الإقليمي كان يعتبر حيويا في استراتيجية مكافحة الإرهاب الدولي.

في تلك الفترة سلم نائب وزير الخارجية الأميركي آنذاك ريتشارد أرميتاج رسالة إلى الرئيس الباكستاني برويز مشرف في نوفمبر (تشرين الثاني) 2001، ملخصها «إما أن تنضم إلى التحالف الدولي أو أن تتعرض للقصف لتعود إلى العصر الحجري». على الجانب الآخر رحب الأفغان الذين تبرموا من الحكم الوحشي لطالبان و«القاعدة» وسطوة جنرالات الجيش الباكستاني بالمجتمع الدولي بأذرع مفتوحة. وقد حققنا تقدما ملحوظا خلال السنوات الأخيرة. لكن إنجازاتنا في مجال الصحة والتعليم والتنمية والحقوق المدنية قوضتها وحجبتها الهجمات الإرهابية.

هناك حالة من الارتباك داخليا وخارجيا في تحديد أصدقاء وأعداء أفغانستان. والشعب الأفغاني عن بكرة أبيه يحمل عرفانا للمجتمع الدولي على تضحياته بالدم والمال. ولسوء الحظ فإن المؤسسة الاستخباراتية العسكرية في دول جوارنا لا تزال تعتبر أفغانستان منطقة لنفوذها. وفي الوقت الذي تواجه فيه أفغانستان تهديدات إرهابية داخلية متزايدة، تواصل باكستان تقديم الملاذ والدعم لمجلس شورى كويتا وشبكة حقاني وجماعة حكمت يار و«القاعدة». وعلى الرغم من احتواء الوثائق التي نشرها موقع «ويكيليكس» على معلومات لم تكن بالجديدة أو المثيرة للدهشة فإنها قدمت للأفغان المزيد من الأدلة على العلاقات الوثيقة بين طالبان و«القاعدة» ووكالة الاستخبارات الباكستانية.

المجتمع الدولي موجود في أفغانستان لتفكيك الشبكات الإرهابية الدولية. بيد أن التركيز على هذه المهمة الرئيسة بدأ في التقوض شيئا فشيئا مقترنا بفشل استراتيجي آخر تمثل في احتضان شريك استراتيجي يعمل على تغذية الإرهاب.

وقد قيل الكثير عن الإرادة السياسية للحكومة الأفغانية والحكم الرشيد والفساد. وهذه متغيرات محلية بالأساس. صحيح أن النخبة السياسية اليائسة والمنهكة في أفغانستان واجهت أفرادا انتهازيين ولصوصا داخل وخارج بنيان السلطة، مما سمح للمافيا بالتسلل إلى السياسات، وأدى إلى تقويض المؤسسات الحكومية وسيادة القانون، لكن من دون شك فإن غياب الشفافية في التعاقدات ووجود شركات أمن خاصة مرتبطة بشكل واضح بمسؤولين - تسهم في النهاية في خصخصة الأمن ومن ثم انعدام الأمن في البلاد - من الأمور التي تثير قلقا بالغا. لكن حضور الإرهاب الدولي في المنطقة لم يأت نتيجة للفساد الذي تعاني منه أفغانستان. فبريطانيا وإسبانيا وتركيا والصين وألمانيا والهند كانت جميعها ضحايا لا للفساد الأفغاني بل للإرهاب الدولي - الخارج من المنطقة.

وأعتقد أن تأمين الأفراد والمقاطعات والمدن من الإرهابيين وتأسيس حكم القانون ومحاربة الفساد خطوات ضرورية تجاه بناء دولة قوية قادرة على تحمل مسؤولياتها. لكن ذلك ليس كافيا. فما من تشريع داخلي قادر على التعامل بشكل كامل مع تهديدات الإرهاب الدولي، وآيديولوجيته الشمولية العالمية، أو شبكاته الداعمة إقليميا.

تفكيك البنية التحتية للإرهاب مكون رئيس لاستراتيجيتنا لمكافحة الإرهاب، وهو ما يتطلب مواجهة الدولة التي لا تزال ترى الإرهاب كقيمة استراتيجية وأداة سياسة خارجية. وكي نكون أكثر وضوحا فإن أفغانستان تعارض توسيع الصراع إلى الدول الأخرى، وتعارض التدخلات العسكرية غير المبررة في الشؤون الداخلية للدول ذات السيادة، لكن الجهود العالمية لمواجهة الإرهاب لن تنجح حتى نتبين العدو من الصديق.

القتال الذي اشتركنا فيه تحول إلى حرب طويلة ومكلفة بالنسبة لنا ولشركائنا الدوليين. لقد أنهكت الحرب، التي كان فيها الخط الفاصل بين الصديق والعدو غير واضح، الشعب الأفغاني، وتحول الرأي العام العالمي ضدنا. بيد أنه من المعلوم أننا فشلنا في تعبئة الرأي العام الأفغاني تجاه قضية حيث يدور القتال في مكان والعدو في مكان آخر. كيف يمكننا إقناع الأفغان، أو آباء الجنود الشباب من دول التحالف بدعم الحرب التي يقوم فيها حلفاؤنا (الباكستانيون) بقتل أبنائهم وبناتهم؟ وعلى الرغم من أننا نخسر العشرات من الرجال والنساء في الهجمات الإرهابية كل يوم فإن معلمي الإرهاب الرئيسيين يواصلون تلقي مليارات الدولارات كمساعدات ومعونات. كيف يمكن تبرير هذا التناقض الجوهري؟

لم يعد الشعب الأفغاني قادرا على دفع ثمن سذاجة والخطأ في حسابات المجتمع الدولي. فالمعتدون لا يفهمون سوى لغة واحدة هي القوة والعزيمة. وأفغانستان والولايات المتحدة والكثير من الدول الأخرى ضحية للإرهاب. يجب على المجتمع الدولي أن يقيم تحالفا واضحا بين هذه الدول الضحايا. فنحن لا يمكننا أن نعبئ الشعب الأفغاني بالشكوك أو البلبلة أو استرضاء الراعين للإرهاب.

* مستشار للأمن القومي لأفغانستان.. ووزير خارجية سابق

* خدمة «واشنطن بوست»