كيف نعالج معضلة حماس؟

TT

إن أكبر عقبة في طريق السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين هي بروز حماس باعتبارها الحكومة الفعلية في قطاع غزة الذي يقطنه 1.5 مليون فلسطيني، إذ يمكن البدء في محادثات سلام جانبية مع الحركة، ولكنها لن تصل إلى أي نتيجة في حال رفضت حماس المشاركة في هذه المحادثات.

وقد أثبتت حماس أن لديها القدرة على تعطيل جهود السلام باستخدام الصواريخ وقذائف المورتر وبإطلاقها النار على الجنود والمزارعين الإسرائيليين بالقرب من حدود غزة وباختطاف الجنود الإسرائيليين، ولكن حماس لديها القدرة أيضا على تقويض السلام من دون استخدام العنف. ويمكن أن تسمح حماس للجماعات الإرهابية الأخرى الموجودة بقطاع غزة بالقيام بعمليات ضد إسرائيل انطلاقا من القطاع ثم تدعي عجزها عن السيطرة عليها أو عدم علمها بذلك. كما يمكن أن تعيق حماس أيضا محادثات السلام باستخدام أساليب سياسية، فالحركة تدعي دائما أن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، الذي يتمركز نفوذ سلطته في الضفة الغربية، يبيع القضية الفلسطينية، مما يجعل من الصعب عليه تقديم تنازلات لإسرائيل، ولا سيما إذا كانت لا تنطوي على مقايضة فورية مع إسرائيل.

وفي غضون ذلك، فرضت إسرائيل والمجتمع الدولي حصارا على غزة بهدف عزل وإضعاف حركة حماس، أو الإطاحة بها أو التسبب في انهيارها في أحسن الأحوال. وقد حاولت إسرائيل إرغام حماس على القبول بالسلام من دون أن تتسبب في وقوع مجاعة جماعية لسكان غزة - وهو توازن يصعب تحقيقه. وعلى الرغم من أن السياسات الإسرائيلية تضع غزة على الحافة، فإن حماس تدرك أن إسرائيل لن تترك القطاع يسقط في الهاوية.

وهذا ما يمثل بعض العزاء لسكان قطاع غزة، فوكالات الإغاثة تقدر الآن نسبة الفقر في غزة بـ80% والعالم يحمل إسرائيل عبء هذه المعاناة. وقد نجحت حماس، على الرغم من أجندتها العدوانية والقمعية، في تصوير نفسها كضحية للقسوة والعنف الإسرائيلي. وفشل الحصار المفروض على غزة على مستوى آخر: فهو لم يصب حماس بالشلل، فحماس اليوم، تحتكر استخدام القوة في قطاع غزة وزاد ثقلها السياسي بين الفلسطينيين على حساب الشخصيات المعتدلة من أمثال محمود عباس، كما زاد الحصار من أهمية الخدمات الاجتماعية التي تقدمها الحركة التي تقوم بجمع الضرائب على السلع المهربة عبر الأنفاق المنتشرة على الحدود بين غزة ومصر. وقد وجدت حماس أنه من الأسهل لها الحصول على المال من إيران التي ترغب في أن تربط اسمها بهذه الحركة المعادية لإسرائيل والتي تتمتع بشعبية كبيرة.

ويعتقد بعض الإسرائيليين أن البديل للحصار هو مواجهة حماس وجها لوجه، وإزاحتها من السلطة عن طريق إعادة احتلال غزة ودفع قادة الحركة وعناصرها إلى الاختفاء تحت الأرض. ولكن هذه الاستراتيجية ستجر إسرائيل إلى مستنقع، فاحتلال قطاع غزة مرة أخرى من شأنه أن يضر بالعلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة والمجتمع الدولي والقيادة الفلسطينية المعتدلة في الضفة الغربية.

وإذا كان من الصعب القضاء على حماس، فإنه يمكن إقناعها بعدم استخدام العنف لتعطيل محادثات السلام وبتخفيف حدة خطابها، ولكي نجعل حماس راغبة في وقف دائم لإطلاق النار، يجب على إسرائيل وحلفائها تغيير طريقة اتخاذ القرار داخل هذه المنظمة، وهو أمر يتطلب تقديم حوافز والتلميح بتهديدات. ومن الخطوات الواجب اتخاذها لتحقيق ذلك هو أن تسمح إسرائيل بتدفق منتظم للبضائع إلى داخل قطاع غزة، على أن تقوم منظمات دولية، وليس إسرائيل، بمراقبة نقاط العبور، وفي الوقت نفسه تقوم المخابرات الإسرائيلية بمتابعة ما يدخل وما يخرج لتتأكد من أن المراقبين يقومون بعملهم على أكمل وجه، ولكن هذا التغيير سيكون مهما. وفي المقابل، فإن حماس تلتزم بوقف دائم لإطلاق النار ومنع انطلاق أي هجوم من الأراضي الواقعة تحت سيطرتها والتعهد بإغلاق الأنفاق ووقف التهريب.

ومن شأن هذه الصفقة أن تسمح لحماس بأن تفاخر بأن إجراءتها كانت السبب في تحسين حياة سكان غزة، وأن تستغل الزيادة في الأموال الناتجة عن تدفق السلع لمكافأة أنصارها، أما بالنسبة لإسرائيل، فإن الهجمات الصاروخية المستمرة ستتوقف وسينتهي خطر تجددها، وسيحرر وقف إطلاق النار إسرائيل دبلوماسيا. وإذا انحصرت مشكلة حركة حماس، يمكن لإسرائيل أن تتخذ المزيد من الخطوات المهمة على طاولة المفاوضات مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس. لكن سيشتكي المعتدلون الفلسطينيون من أن إسرائيل قد كافأت من يمارسون العنف، وهم محقون في ذلك، وإذا تحسن وضع اقتصاد غزة بسبب هذه الصفقة، فإن التباين بين الظروف المعيشية في غزة والضفة الغربية سوف يقل، وهو ما سيضر بالرئيس عباس سياسيا، ولتعويضه عن أي مكاسب سياسية قد تحققها حماس، فإن على المجتمع الدولي أن يشجع الجهود المبذولة لتطبيق القانون والنظام والحد من الفساد وكل ما من شأنه أن يقيم دولة في الضفة الغربية، مما سيساعد على جعل حكومة عباس منافسا حقيقيا لحركة حماس فيما يتعلق بالحكم الرشيد.

كما أن إضفاء الطابع الرسمي على وقف إطلاق النار مع حماس من شأنه أن يثير تساؤلا حول ما إذا كانت إسرائيل والفلسطينيين المعتدلين يؤجلون ببساطة معركة لا مفر منها ويسمحون لعدوهم بزيادة قوته، إلا أنه في حال استئناف الهجمات الصاروخية من غزة أو إذا ظهرت أدلة موثقة على أن حماس تزيد بشكل كبير في قدراتها العسكرية، فإن إسرائيل ستكون لديها حجة قوية لاستئناف الحصار بطريقة أكثر شمولا وباستخدام القوة، وسيتعين على المجتمع الدولي، عندئذ، أن يدعم ليس فقط إضفاء الطابع الرسمي على اتفاق وقف إطلاق النار ولكن أيضا حق إسرائيل في الرد عسكريا إذا عادت حماس إلى العنف من جديد على الرغم من التنازلات الإسرائيلية.

* أستاذ في برنامج الدراسات الأمنية في جامعة جورج تاون وزميل في مركز سابان لسياسة الشرق الأوسط في معهد بروكينغز.

* خدمة «نيويورك تايمز»