نساء رمضان محافظات ولكن ..

TT

الحاجة «زهرة» التي تغضب الرجال العرب، هذه الأيام، بزيجاتها الخمس وترهق الرقابة وهي تتعقب وتحذف لها المشاهد «المشينة»، بسبب حكاياتها الغرامية المزمنة، نموذج لامرأة موجودة بيننا. «علا» ابنة الثلاثين عاما التي تعيش جنون البحث عن عريس في مسلسل «عايزة أتجوز»، دون أن تعثر على رجل واحد يصلح أن تشاركه حياته، رغم التقائها بالعشرات، هي حكايات واقعية، صاحبتها معروفة الاسم والهوية، ولها مدونة على الإنترنت سجلت عليها قصصها هذه وصدرت في كتاب. قصص عبلة كامل مع زوجها في ست كوم «نص أنا ونص هو» التي تنفصل عن زوجها بعد أن يكبر الأولاد وتضطر لأن تعيش معه تحت سقف واحد وتقتسم معه المنزل، ليست حكايات بعيدة عن واقعنا.

الاعتراض على السلوك الجديد للنساء في المسلسلات، يبدو مضحكا ومثيرا للسخرية. فما تجرأ وأظهره التلفزيون، جاء متأخرا لسنوات عن فضائح الروايات التي خطتها نساء عربيات، سجلن فيها مغامراتهن في السنوات العشر الأخيرة، وترجمت إلى لغات أجنبية. استمرار التستر على حقيقة أن المرأة العربية لم تعد تشبه الصورة التي يتمناها الرجل التقليدي لن يغير من واقع الأمر شيئا. سياسة تجميد القوانين الخاصة بالمرأة والأسرة للحفاظ على «ستاتكو» اجتماعي آمن، ما عادت تجدي نفعا. هذا لا يعني أن نساء «باب الحارة» وزوجات «الحاج متولي» انقرضن بالكامل، بل إن إلى جانبهن هناك عوانس ومطلقات وأرامل، بنسب عالية، يحملن شهادات ولهن وظائف ومداخيل، يبحثن عن رجال، هذا صحيح، لكنهن في النهاية لا يرضين بالقليل، كما كانت تفعل الجدات وحتى الأمهات، ولهن مطالبهن وشروطهن التي تجعل بناء خلية زوجية ناجحة جديدة، يصطدم بصعوبات تتزايد حدتها.

الأرقام تتكلم وتفضح. في لبنان مثلا تلتحق بالمراحل التعليمية الأولى 93% من الإناث مقابل 92% من الذكور، ونسبة من يتخرجن من التعليم الثانوي 56% من الإناث مقابل 50% من الذكور، وتلتحق بالتعليم العالي نسبة 74% من الإناث مقابل 72% من الذكور. هذا يفسر ربما لماذا يشكو رجال كثيرون من أنهم لا يجدون في الفتيات الحاليات، الصورة التي يحملونها في أذهانهم للمرأة التي عرفوها وهم صغار. لكن المشكلة أن هؤلاء الرجال لا يقبلون في الوقت نفسه، بنساء يشبهن أمهاتهم. مما يعني أننا أمام حيرة لن نجد لها شفاء سريعا. وألطف ما قرأت في الفترة الأخيرة خبر لقاء أقامه الباحث الاجتماعي المغربي عبد الصمد الديالمي بعد إصدار كتابه «نقد الرجولة في المغرب» ليؤكد أنه من خلال دراسته لشريحة من الرجال اكتشف أن لديهم توجها يؤيد إعادة النظر في مفهوم الرجولة كما هو سائد حاليا، لإخراج هذه الرجولة الجديدة من صورتها النمطية التي باتت مرهقة للرجال أنفسهم. ورغم أن المستجوبين في دراسة الديالمي ينتمون إلى الشريحة العادية من الذكور فإن 60% منهم لا يرون أن الرجل لا يزال مهيمنا على المرأة، كما كان الحال سابقا، بل إن 42% منهم يرفضون تعدد الزوجات وبعضهم يرون أن الرجل الحقيقي هو الذي يكتفي بواحدة.

الوضع التمردي النسائي الحالي المتزامن مع تغيرات رجولية يصعب نكرانها، يضع الرجال والنساء معا في وضع ملتبس وقلق، قد يطول أمده. فالعنوسة عند الرجال تتزايد أيضا، والخوف من الزواج بات سمة ذكورية في العديد من المجتمعات العربية. ففي لبنان تصل نسبة العزوبية إلى 46% عند من يبلغون من العمر بين 30 و34 سنة. وإذا كان النساء يلجأن إلى عمليات تجميل، لإخفاء آثار الزمن المتسارعة، فإن الرجال باتوا جزءا من اللعبة أيضا وصار بحكم المؤكد أن 18 ألف عملية تجميل في السنة (وهو رقم هائل بالنسبة لعدد السكان) للرجال منها حصة لا بأس بها. وخبراء التجميل ما عادوا يتوجهون للزبونات وحدهن حين يستضافون في الإعلام وإنما لزبائن من الجنسين، يحتاجون إلى استعادة تألقهم. فالحفاظ على الشباب «النضر» وسحر الجاذبية، هو من المستلزمات الأساسية لإغراء كل جنس للآخر، حين تصبح العلاقة الوجدانية والنفسية معقدة إلى الحد الذي وصلنا إليه.

قد تقول إن اللبنانيين حالة خاصة، لكن التجارب أثبتت باستمرار أن لبنان حقل اختبار عربي، ومرآة ترى فيها اليوم، ما يمكن أن تراه في الجوار بعد سنوات قليلة جدا. وأن تقول غادة عبد الرازق في مقابلاتها الصحافية، إن الحاجة زهرة، ستجد عقابها في نهاية مسلسل «زهرة وأزواجها الخمسة» على سلوكها كامرأة مزواج، هو كلام عابر لتهدئة خواطر المعترضين، ولإبقاء العمل التلفزيوني ضمن المقبول والمسموح. وأن تقدم علا في مسلسل «عايزة أتجوز»، وكأنها مجرد ضحية اجتماعية لوالدين يريدان تزويجها بأي ثمن، وهي لا تفعل سوى النزول عند رغبتهما، للبقاء في حيز التقليدية، هو أمر لا ينسي المتفرج أنه أمام شخصية نسائية لا تنقصها الحنكة كما أنها لا تفتقر إلى النضج. ويكفي أن ترى العرسان المطرودين من البيت وهي تضربهم بفردة حذائها لتعرف أن المرأة «اللي عايزة تتجوز» تقوم بالمهمات الصعبة بنفسها، ولا تنتظر أن يفعل والدها ذلك. وبالتالي لا بد من الاعتراف بأن المسلسلات العربية، حتى تلك التي تريد أن تقول صدقا تلعب على وتر المحافظة رغم جرأتها، لكن ما نقرأه بين السطور أصعب من أن يخفى على المتفرج الحاذق.