بلا شروط مسبقة؟

TT

ربما يحق لرئيس الحكومة الليكودية في إسرائيل، بنيامين نتنياهو، التبجح بتسجيل «انتصار» آخر على الفلسطينيين بحملهم - بضغوط شخصية من الرئيس الأميركي باراك أوباما - على البدء بجولة مفاوضات مباشرة في واشنطن «دون شروط مسبقة».

ولكن نتنياهو لم يتوان عن وضع «شروط مسبقة» على الجانب الفلسطيني قد تدخل في صلب عناوين جدول أعمال مفاوضات واشنطن، شاء الجانب الفلسطيني أم أبى.

مجرد رفض نتنياهو استئناف المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية من حيث انتهت جولتها السابقة بين رئيس الحكومة الإسرائيلي السابق، إيهود أولمرت، والرئيس الفلسطيني محمود عباس، «شرط مسبق» بحد ذاته.

رفض نتنياهو أي التزام علني بتجميد الاستيطان اليهودي في القدس الشرقية طيلة فترة التفاوض على التسوية، «شرط مسبق» آخر لن يقصّر رئيس الحكومة الإسرائيلية في استعماله عند الحاجة.

رفض نتنياهو القبول بالمرجعيات التي حددتها قرارات الأمم المتحدة وخارطة الطريق ومبادرة السلام العربية ومبادئ مؤتمر مدريد لهذه المفاوضات.. «شرط مسبق» آخر لا تخفى أبعاده السياسية والجغرافية على صيغة التسوية المحتملة، في حال تم التوصل إليها.

ربط نتنياهو نجاح عملية التفاوض المباشر بوجود «مفاوض فلسطيني جاد»، كما قال الأحد الماضي، «شرط مسبق» آخر وشرط خطير لأنه يعطيه، عمليا، حقا استنسابيا للانسحاب من المفاوضات متى يشاء وتحميل تفسيره «لجدية» المفاوض الفلسطيني مسؤولية فشلها.

وأخيرا، لا آخرا، إعلان نتنياهو أن نجاح المفاوضات يعتمد على «تجاوب» الجانب الفلسطيني مع ثلاث قضايا حددها كالتالي: ترتيبات أمنية «حقيقية»، والاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية، وقيام دولة فلسطينية منزوعة السلاح... «شروط مسبقة» قد يتبين في سياق التفاوض أنها أدهى من كل الشروط الأخرى.

هل يرجى خير من مفاوضات كبل بها نتنياهو الفلسطينيين، سلفا، بأكثر من شرط مسبق... في سياق رفضه هو للشروط المسبقة؟

حتى في حال التسليم بمنطق نتنياهو أن الترتيبات الأمنية «الحقيقية» ونزع سلاح الفلسطينيين هي عقدة الدولة الفلسطينية المقترحة يبقى السؤال الملح: أي دولة «ستمنح» للفلسطينيين طالما أن نتنياهو لم «يتنازل» عن إصراره على اعتبار القدس «الموحدة» عاصمة أزلية لدولة إسرائيل، وطالما أن وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، تجنبت أي إشارة إلى حدود 1967 في تصريحها قبل أيام معدودة لصحيفة «نيويورك تايمز» (عدد 21/08/2010).

مع كل ذلك، ورغم ما يوحيه الموقفان الإسرائيلي والأميركي من توافق على تجاهل حدود عام 1967 كإطار للدولة الفلسطينية المقترحة، وإذا جاز استمرار التفاؤل بإمكانية «منح» الفلسطينيين دولة ما على أرضهم، لن يكون حافز نتنياهو للموافقة على قيام هذه «الدولة» قناعته بحل «الدولتين» بل تمسكه بيهودية إسرائيل، وبالتالي ترحيبه بفرصة متاحة للتخلص من خطر ديموغرافي يقضي على يهوديتها في حال تحولها إلى دولة ديمقراطية يتمتع فيها مواطنوها، اليهود وغير اليهود، بحقوق وواجبات متساوية.

حتى الآن، إذا كان ثمة أمل في توصل المفاوضات المباشرة إلى تبني حل الدولتين فهذا الأمل معقود على مواقف الرئيس الأميركي، أوباما، أكثر مما هو معقود على قناعات رئيس الحكومة الإسرائيلي - إذا صحت تأكيدات الجانب الفلسطيني عن «التطمينات» التي تلقتها من إدارة أوباما.

إلا أن المقلق أن سوابق أوباما في التعامل مع نتنياهو لا توحي باحتمال ممارسته ضغوطا فعالة عليه، ولا «آيديولوجية» نتنياهو تضفي أي مصداقية على الوعود التي نثرها مؤخرا عن «جديته» في التوصل إلى تسوية سلمية، ما يوحي بأن مفاوضات واشنطن لن تكون أكثر من فصل آخر من مسرحية طويلة بدأ عرضها في مدريد عام 1991 وظلت، رغم تنقلها من مسرح إلى آخر، غير واعدة بنهاية قريبة.