فلسطين.. قضية أم مشروع سياسي؟

TT

إذا سارت الأمور على نحو جيد، فسنشهد قريبا مصافحة تاريخية بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في حديقة البيت الأبيض في ظل حضور الرئيس الأميركي الحالي باراك أوباما وعلى وجهه ابتسامة عريضة.

لقد أخبرتنا وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون أن نتوقع التوصل إلى حل للصراع الإسرائيلي - الفلسطيني في غضون عام.

حسنا، لن تكون هذه المصافحة «التاريخية» هي الأولى من نوعها، ولن تكون هذه هي المرة الأولى التي يطلب منا فيها أن نتوقع التوصل إلى «تسوية نهائية» في غضون عام.

قبل عقدين من الزمان تقريبا، أيد الرئيس بوش الأول بكل حماس مؤتمر مدريد للسلام الذي أصبح الآن في طي النسيان، ليملأ أعيننا الصحافية بدموع التوقعات. وبعد ذلك جاء دور بيل كلينتون للتعهد بإحلال السلام في غضون عام. وحتى الرئيس بوش الثاني لم يستطع مقاومة إغراء تكرار هذا الوعد العبثي، على الرغم من أنه كان بحوزته الكثير من الملفات الأخرى.

هل هناك أي سبب في أن أوباما قد يقوم بفعل ما هو أفضل؟

حسنا، قد يفكر أوباما نفسه في ذلك. فقبل كل شيء، لقد وعد بأن يجعل المحيطات تنحسر. ومع ذلك تم بالفعل كشف زيف أسطورة «أوباما المنقذ». وفي الحقيقة، تعد فرص التوصل إلى تسوية في ظل أوباما أقل مما كانت عليه في ظل أسلافه الثلاثة.

وهناك سببان لذلك: أولا، لا يثق أي من الإسرائيليين ولا الفلسطينيين في أوباما. ثانيا، يعتقد الطرفان أن أوباما يطرح عرض السلام من أجل إعطاء دفعة لحزبه في انتخابات التجديد النصفي المقبلة في شهر نوفمبر (تشرين الثاني).

ومع ذلك، فإن المشكلة الحقيقية ليست الضعف أو النفاق الحقيقي أو المتصور لأوباما. قد يجادل المرء بأن التدخل الأميركي، خاصة على الصعيد الرئاسي، قد يصبح نفسه أحد العوائق أمام تحقيق السلام.

والسبب بسيط. عندما تكون الولايات المتحدة هي صانع السلام، فإن الإسرائيليين الذين يشعرون بأن حليفهم الأقوى تخلى عنهم، سواء صح ذلك أم لم يصح، سيكونون أقل ميلا لتقديم التنازلات المطلوبة للتوصل إلى تسوية. وفي إسرائيل، يعرف ذلك باسم استراتيجية القنفذ: الانكماش على النفس والاستعداد لمحاربة العالم الخارجي.

وفي الوقت ذاته، سيكون الفلسطينيون، الذين يتوقعون أن تضغط الولايات المتحدة على إسرائيل لتقديم تنازلات، أقل استعدادا للتوصل إلى تسوية.

وهذه مشكلة أخرى، قد تكون أكثر أهمية. لا يمتلك أي من نتنياهو أو أبو مازن تفويضا للموافقة على تسوية نهائية.

يعتمد ائتلاف نتنياهو على تأييد الأحزاب التي لا تريد قيام دولة فلسطينية في أي شكل.

وعلى الجانب الفلسطيني، بافتراض أن أبو مازن قد يعمل على إشراك حركة فتح في القضية، فإنه لا يستطيع التحدث إلى حماس، التي تسيطر على قطاع غزة وتهدف إلى تدمير دولة إسرائيل بدلا من إنشاء دولة فلسطينية.

وفي الحقيقة، تحصل حماس على معونات مالية من إيران لأنها تتحدث عن تدمير إسرائيل. ومع استثناءات قليلة جديرة بالاهتمام، فالمشكلة الحقيقية هي أنه بالنسبة إلى معظم القادة الفلسطينيين، لا تزال فلسطين قضية وليست مشروعا سياسيا يهدف إلى إنشاء دولة.

وما دام فلسطين قضية وليست مشروعا، فلا يستطيع أي قائد فلسطيني التفاوض حول إنشاء دولة. تعلم الرواد الإسرائيليون الدرس في السابق. وهذا هو السبب في أن ديفيد بن غوريون ورفاقه قبلوا خطة التقسيم التي طرحتها الأمم المتحدة، والتي أعطت اليهود قطعة صغيرة من فلسطين الخاضعة للانتداب في شكل قطعة الجبن السويسري. وكانوا حريصين على أن يصبحوا دولة في أسرع وقت ممكن، وجميع الأمور الأخرى، بما في ذلك الحصول على حدود يمكن الدفاع عنها، تأتي بعد ذلك.

ومع ذلك، طرح الفلسطينيون في الجامعة العربية مخططا أراد أن تكون فلسطين قضية وليست دولة.

وحققت مناورة فلسطين كقضية نجاحا تجاوز أحلام أي طرف. واليوم، يشارك المراهقون في المدن الأوروبية والأميركية في هذه «القضية» عن طريق ارتداء الكوفيات الفلسطينية.

وتبنى بعض الحكام العرب «فلسطين القضية» بالطريقة نفسها التي تمسح فيها النصاب بالشعارات الوطنية في المثل المشهور «الوطنية هي الملاذ الأخير للنصابين». وسيغطي حجم قصائد الشعر التي كتبت باسم «القضية» ضعف مساحة أي دولة فلسطينية مفترضة. وفي إيران اليوم، عندما يستنفد أي رجل دين الأفكار التي يتحدث عنها، يبدأ في إظهار الحزن بشأن «قضية فلسطين».

ولا يتكلف اللعب على «القضية» أي شيء، وقد يجعل ذلك المرء يبدو صحيحا من الناحية السياسية وأنيقا من الناحية الآيديولوجية.

لكن ما الذي حصل عليه الفلسطينيون من هذه الكوفيات والهراء المسيل للدموع ومواعظ رجال الدين؟

الإجابة هي أنهم عانوا طيلة أكثر من نصف قرن من العيش في هاوية من التوقعات العالية والإنجازات المنخفضة. لقد مات الفلسطينيون بحيث أن أنصار قضيتهم من الممكن أن يشعروا بأنهم على ما يرام في المقاهي في باريس والجامعات الأميركية.

كان من الممكن أن تكون فلسطين أفضل إذا لم يتبن الأبطال الذين كانوا يناضلون من بعيد هذا البلد على أنه قضية.

ومن المفارقات، شعرت إسرائيل بالراحة مع فلسطين باعتبارها «قضية» بدلا من مشروع سياسي.

تمتلك إسرائيل واقعية الأرض والمياه والجيش والسيطرة السياسية، في حين تمتلك فلسطين وهم أنها محبوبة من جانب الجميع في أنحاء العالم الذين يحتاجون إلى مسمار آيديولوجي يعلقون عليه معاطفهم البالية.

والحقيقة البديهية تقول إنه من الممكن تسوية الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني في سويعات قليلة إذا أراد الجانبان ذلك في الحقيقة. هناك حلول وسط مقبولة ظاهريا لحل جميع ما يسمى بـ«القضايا المعقدة»، بما في ذلك القدس وحق العودة.

ولا يعد الحديث عن حل الدولتين سوى مجرد حديث. وإذا لم يكن مجرد حديث، فسيسأل البعض: أي من الدولتين من الأسهل إنشاؤها في شكل نهائي؟

والإجابة الواضحة هي أن إسرائيل بالفعل عضو في الأمم المتحدة. ومع ذلك، لا يمكن وضع إسرائيل، التي لا تزال تفتقر إلى الدستور، بصورة دقيقة على أي خريطة لأنها لا تمتلك حدودا معترفا بها.

وعلى الجانب الفلسطيني، قد لا يكون هناك بحث حقيقي عن السلام ما لم يكن إنشاء دولة مستقلة هو الهدف، وليس تدمير إسرائيل.

وليس من السهل تحقيق مثل هذه التغييرات في الحقائق الوجودية لكل من الجانبين، حتى في ظل وجود من أطلق على نفسه «المنقذ» في البيت الأبيض.

أتمنى أن أكون مخطئا، لكنني أخشى أن فرصة التقاط صورة تذكارية التي يرتبها رام إيمانويل قد تولد المزيد من المرارة، ومن ثم تضعف موقف الأفراد الذين يسعون إلى السلام على الجانبين.