الدرعية.. في قائمة التراث العالمي

TT

قررت لجنة التراث العالمي التابعة لهيئة اليونيسكو في اجتماع دورتها الرابعة والثلاثين بمدينة برازيليا يوم 1 أغسطس (آب)، وضع منطقة الطريف بمدينة الدرعية السعودية في قائمة التراث العالمي. وعندما تقرر اليونيسكو وضع موقع ما ضمن قائمة التراث العالمي، فهي تعتبر نفسها مسؤولة عن المساهمة في حماية هذا الموقع وصيانته بالخبرة والمال، للحفاظ عليه كجزء من التراث الحضاري للبشر، مثلها في ذلك مثل أهرامات الجيزة في مصر ومعبد الأكروبولوس في اليونان. وذكرت اللجنة في بيان لها الأسباب التي جعلتها تتخذ هذا القرار:

«حي الطريف في مدينة الدرعية الذي كان بمثابة أول عاصمة للعائلة السعودية في قلب الجزيرة العربية شمال غربي الرياض، أنشئ في القرن الخامس عشر وهو يشهد على الطراز المعماري لنجد، الخاص بوسط شبه الجزيرة العربية. وفي خلال القرنين 18 و19 ازداد دور الدرعية السياسي والديني، وصارت قلعة الطريف مركزا للسلطة الدنيوية (السياسية) لآل سعود (كما صارت الدرعية مركزا) لانتشار دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب الإصلاحية. ويتضمن العقار (في الطريف) بقايا قصور عديدة ونماذج حضرية بنيت على حافة واحة الدرعية».

ماذا يعني هذا القرار؟ وما هي دلالته؟

هذا القرار يعتبر اعترافا بالأهمية الحضارية للدولة السعودية الحديثة، يتطلب ضرورة صيانة آثارها باعتبارها جزءا من تراث الحضارة البشرية. وترجع أهمية الدرعية التاريخية إلى أنها شهدت البداية التي أدت في النهاية إلى توحيد نجد والحجاز وتكوين المملكة العربية السعودية، بعد نحو 13 قرنا من التفكك والانقسام.

كانت الدرعية هي أول عاصمة لآل سعود غرب الرياض، أسسها مانع المريدي جدهم الأكبر عند منتصف القرن الخامس عشر ودمرها إبراهيم باشا ابن محمد علي سنة 1818. لكن حي الطريف ظل قائما بما فيه من قصور وبنايات أثرية يمثل المدينة القديمة، أما مدينة الدرعية الحديثة فقد بنيت في سبعينات القرن العشرين.

كون آل سعود دولتهم الأولى في الدرعية عند منتصف القرن الثامن عشر، عندما تم التحالف بين الأمير محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبد الوهاب لإقامة دولة في الجزيرة العربية تقوم على أساس من الإصلاحات الدينية التي نادى بها الشيخ. ومحمد بن عبد الوهاب ولد في العيينة بمنطقة نجد، واستقر به المقام في مدينة الدرعية نحو عام 1744. وعندما مات الأمير محمد بن سعود سنة 1765، خلفه ابنه الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود الذي كان أشد تحمسا لنصرة الدعوة الوهابية. وتمكن تحالف آل سعود مع الشيخ محمد بن عبد الوهاب من إخضاع أقاليم نجد بكاملها قبل نهاية القرن الثامن عشر. وبعد موت الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود سنة 1803، خلفه ابنه سعود بن عبد العزيز المعروف بسعود الكبير الذي وجه اهتمامه غربا وتمكن من السيطرة على منطقة الحجاز، وعلى مدينة الطائف ودخل سعود مكة منتصرا سنة 1803، ثم وصل بعد ذلك بسنتين إلى المدينة المنورة.

انزعج سلاطين الباب العالي من تعاظم سيطرة هذا التحالف غرب الجزيرة العربية، خاصة بعد أن تمكن من مد سيطرته على منطقة الحجاز التي كانت تتبع الدولة العثمانية في ذلك الوقت. وفي 1811 طلب السلطان محمود الثاني من محمد علي باشا والي مصر، إرسال حملة إلى الحجاز لمواجهة خطر تحالف آل سعود وحلفائهم. ووجد محمد علي في دعوة السلطان العثماني فرصة لتحقيق بعض مصالحه الشخصية، فقد كانت هذه فرصة أمامه كي يتخلص من الجنود الأرناؤوط المرتزقة الذين يسببون له مشكلات مستمرة في القاهرة، كما أنه يعزز من مكانته لدى الباب العالي ويدعم مركزه في ولايته على مصر. واستمرت حروب محمد علي ضد آل سعود وحلفائهم مدة سبع سنوات، انتهت بتدمير إبراهيم باشا ابن محمد علي مدينة الدرعية ونهاية الدولة السعودية الأولى سنة 1818.

لم يفلح تدمير الدرعية في القضاء على آل سعود، فبعد عامين من تدمير عاصمتهم الأولى أقام تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود الدولة السعودية الثانية في مدينة الرياض، واستمرت هذه الدولة حتى 1891 عندما قام محمد بن عبد الله بن رشيد - أمير جبل شمر - بالاستيلاء على الرياض والسيطرة على نجد بأكملها.

ثم بدأت الدولة السعودية الثالثة عندما تمكن الأمير عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود من استعادة مدينة الرياض من أيدي آل رشيد عام 1902. واستمر عبد العزيز في تنفيذ سياسة آل سعود القديمة والعمل على توحيد الجزيرة العربية في دولة واحدة، وبالفعل تمكن من ذلك عندما دخلت قواته مكة المكرمة عاصمة الحجاز في سنة 1924. بعد ذلك بعامين أصبح عبد العزيز ملكا على نجد والحجاز كلتيهما، وسرعان ما أعلن عن قيام المملكة العربية السعودية الموحدة في 1932. وأصبحت الدولة السعودية الجديدة بعد فترة وجيزة من تكوينها، مركزا عالميا مهما للسياسة والاقتصاد معا، كما صارت بعد ذلك - مع حكمة ملوك آل سعود - رمزا للتسامح ومركزا لنشر الطمأنينة والسلام بين البشر.

* كاتب وأكاديمي مصري

مقيم في بريطانيا