الكفاح مستمر لتحقيق حلم مارتن لوثر كينغ

TT

دائما ما نتذكر ذلك اليوم الحار من أيام شهر أغسطس (آب) قبل سبعة وأربعين عاما، باليوم الذي شهد مسيرة واشنطن، التي ألقى خلالها والدي خطابه الشهير «لدي حلم» عند النصب التذكاري للرئيس الراحل أبراهام لنكولن. ويجرى حاليا إقامة نصب تذكاري لوالدي عند حوض «تيدل بزين»، ليس بعيدا عن المكان الذي شارك فيه الأميركيين رؤيته لأمة متحدة في العدالة والمساواة والإخاء.

وتنظم غلين بيك تظاهرة «استعادة الشرف» عند نصب التذكاري للنكولن خلال عطلة نهاية الأسبوع. ولئن كان هذا التجمع الجدير بالإشادة والثناء سيكرم الرجال والنساء الشجعان في قواتنا المسلحة الذين يخدمون بلدنا بتفان هائل، فإن توقيته ومكانه يشيران إلى أن منظميه الحاليين يريدون أيضا تكريم المثل العليا والمساهمات التي قدمها مارتن لوثر كينغ. وأود أن أوضح ماهية هذه المثل العليا التي قدمها كينغ، فأعداد كبيرة من الأميركيين يعلمون مواقف والدي القيادية في معارضة الفصل العنصري، لكن الكثير منهم يعتقدون أن حلمه كان مقتصرا على تحقيق المساواة بين الأجناس المختلفة، ومن المؤكد أنه كان يسعى لتحقيق هذا الهدف، لكن رؤيته كانت أكثر من مجرد زيادة حقوق جنس معين، فقد كان يأمل أن نتمكن، حتى في ظل أصعب الظروف، من التغلب على خلافاتنا وأن يحل محل الصراعات المريرة قدر أكبر من التفاهم والمصالحة والتعاون.

لقد دافع والدي عن حرية التعبير، وكان سيكون هو أول من يقول بأن المشاركين في مظاهرة بيك لديهم الحق في التعبير عن آرائهم، لكن كان حلمه رفض خطاب الكراهية وجميع أشكال التعصب أو التمييز سواء كان موجها ضد عرق أو عقيدة أو جنسية أو ميول جنسية أو معتقدات سياسية. لقد كان يتوق إلى عالم ينظر فيه كل البشر بعضهم إلى بعض باعتبارهم إخوة وأخوات في الأسرة البشرية. ودعا والدي، وطوال حياته، إلى الرحمة بالفقراء وعدم العنف واحترام كرامة جميع البشر والسلام للإنسانية.

وعلى الرغم من أنه كان صاحب تدين عميق، فإن والدي لم يدّعِ أن لديه «خطة» حصرية تقصر كلمة الله على مجموعة أو آيديولوجية واحدة فقط، فقد سار جنبا إلى جنب مع أتباع كل العقائد الدينية. وشأنه شأن أبراهام لنكولن، لم يدّعِ والدي أن الله يقف في جانبه، بل إنه كان يدعو بتواضع أن يكون الله إلى جانبه.

وقد اعتنق والدي، من أعماق قلبه، أفكار ما يسمى بحركة «الإنجيل الاجتماعي»، وكان من بين مرشديه الروحيين والفكريين اثنان من علماء «الإنجيل الاجتماعي»، وهم: والتر روشينوبش وهوارد ثورمان. وقال والدي إن أي دين لا يهتم بالفقراء والمحرومين و«الأحياء الفقيرة التي تصب لعناتها عليهم والظروف الاقتصادية التي تخنقهم والظروف الاجتماعية التي تشل حركتهم هو دين مات روحيا وينتظر الدفن». وفي خطابه «لدي حلم»، أعاد والدي طرح ما قاله النبي عاموس: «لن نرضى حتى نرى العدل يجري مثل المياه والحق ينتشر كالسيل العظيم».

وقد عكس شعار مظاهرة عام 1963، «مسيرة واشنطن الكبرى من أجل توفير فرص عمل ونشر الحرية»، اعتقاده في أن الحق في الطعام سيكون غير ذي معنى إذا كان الأميركيون الأفارقة لا يستطيعون دفع ثمن طعامهم. ولا تزال الحاجة إلى العمل والازدهار الاقتصادي المشترك ملحة كما كانت عليه قبل سبعة وأربعين عاما. وكانت رؤية والدي ستشمل توفير فرص عمل لملايين الأميركيين العاطلين وإعادة بناء البنية التحتية والقيام بالإصلاحات للحد من التلوث وتقديم رعاية أفضل للبيئة.

ومن خلال جهودي للمساعدة في تحقيق حلم والدي ودعم العدالة والحرية وحقوق الإنسان لجميع البشر، نظمت حلقات عمل حول نبذ العنف والتواصل في المجتمعات المحلية في جميع أنحاء هذا البلد وفي دول أخرى كثيرة. وتجربتي تؤكد حقيقة ثابتة في كلمات والدي: «إن الظلم في أي مكان هو تهديد للعدالة في كل مكان» و«إننا جميعا مرتبطون بقدَر واحد».

وأدعو الله أن يتقبل كل الأميركيين التحدي المتمثل في تحقيق العدالة الاجتماعية وإيجاد الروح الموحدة التي تشاركها والدي مع إخوانه في الوطن. وبهذا الالتزام، يمكننا أن نبدأ البحث عن طرق جديدة لنتواصل بعضنا مع بعض ولرأب الانقسامات بيننا وبناء جسور الأمل وتحقيق استفادة الجميع من الفرص المتاحة. وعندما نفعل ذلك، فإننا لن نكون نسعى لتحقيق الحلم، بل سنكون نعيشه.

* رئيس ومدير تنفيذي لمركز مارتن لوثر كينغ للتغيير الاجتماعي السلمي

* خدمة «واشنطن بوست»