حينما تتحول الشوارع إلى فاترينة عاهات

TT

تجاوز التسول مرحلة الفردية إلى المؤسساتية، فجحافل المتسولين التي تزدحم بها الطرقات خلال هذا الشهر الكريم لا يمكن إلا أن تكون خلفها جهات احترافية منظمة، وصناع عاهات مهرة، يأتون بهؤلاء في كل موسم من دول معينة، تحت غطاء العمرة، ليعيثوا في الدروب تسولا، حتى لتكاد الشوارع تتحول إلى «فاترينات» للعاهات، هذا يخرج ذراعه المقطوعة، وذاك يكشف عن ساقه المحروقة، وثالث يبرز عينه المفقوءة، وغدا الوقوف بجوار إشارات المرور عملية مرهقة للأعصاب، حينما يحشر أحدهم يده المسلوخة من نافذة العربة ليضعها بالقرب من وجهك فجأة.

وهذه الظاهرة ليست جديدة، فهي تتكرر كل عام، حتى إن طفلا متسولا تم ترحيله ذات سنة، عاد في السنة التي تليها بذراع مبتورة. والقبض على بعض هؤلاء المتسولين وترحيلهم قضية لن تنتهي، حتى الحملات التي تقوم بها بعض الأجهزة الأمنية ليست كافية، ولم تشكل رادعا، فبحسب خبر نشرته صحيفة «سبق» الإلكترونية فإن قوة المهمات والواجبات الخاصة بشرطة إحدى المحافظات تمكنت منذ بداية شهر رمضان المبارك حتى منتصفه تقريبا من القبض على 121 متسولا، وهو رقم متواضع جدا، إذا ما قورن بأعداد المتسولين وكثافتهم خلال هذا الشهر الكريم، وممن تم القبض عليهم امرأة وافدة، ضبطت، وبحوزتها آلاف الريالات السعودية، والعملات الإماراتية والكويتية والقطرية، وكمية من الذهب، وهذه المتسولة قبض عليها من قبل مرتين في مواسم سابقة، فكيف عادت؟! وكيف سنتعامل معها هذه المرة، خاصة أنها ضبطت وهي تسرح بأولاد الجيران؟ أي أنها تضخ في عالم التسول المزيد من الدماء الجديدة! ويروي مدير مكافحة التسول في جدة لجوء بعض المتسولات من إحدى الجنسيات لخلع ملابسهن والتعري أمام المارة لإحراج موظفي المكافحة بغرض الإفلات من عملية القبض، وكيف ترك آخر كرسيه المتحرك ولاذ بالفرار!

المتسولون اليوم ليسوا هواة، ولا يتسولون وفق أمزجتهم، لكنهم في الغالب يخضعون لنظام صارم، يتسم بالدقة، والدهاء، والاحترافية، وتدير هذا النظام عقول ماكرة، تعرف كيف تستثير شفقة الناس، وعواطفهم. ولكي ينتهي هذا المسلسل الطويل، والممل، والمزعج، والمسيء، فإنه يجب الوصول إلى الرؤوس الكبيرة التي تقف خلف كتائب المتسولين، وتنظم نشاطهم وإيواءهم، وأماكن تمركزهم في كل مدينة، ومن غير الوصول إلى هذه الرؤوس سيستمر هذا المسلسل طويلا، وتتعاظم خطورة التسول إذا ما ربطنا بينه وبين الإجرام، فثمة علاقة وثيقة بينهما، فالمتسول مشروع مجرم في الكثير من الأحوال.

[email protected]