جامعاتنا بين الجودة الأكاديمية والتصنيف العالمي لها

TT

مما يتفق عليه الأكاديميون العرب أن جامعاتنا في العالم العربي بحاجة ملحة إلى تطوير الأقسام المختلفة فيها، لكي تقوم بدورها في تطوير جودة التعليم والبحث العلمي، من أجل أن ترتقي بمستواها إلى مستوى الأقسام في الجامعات الراقية، وتحتل مكانة مرموقة في التصنيف العالمي للجامعات، الذي أرجو أن يكون مقياسا لا هدفا.

لقد أدركت الجامعات المتقدمة أن تطوير التعليم يحتاج إلى تقوية مهارات التفكير العلمي والبحث والتعليم الذاتي للطالب وإشراكه في العملية التعليمية، وهذا لا يتم إلا بتطبيق ما أسميه شخصيا بالمثلث التعليمي، وبما يلي؛

أولا: أن يستند التعليم الجامعي إلى إعطاء الطالب الأساسيات في المحاضرة، وتعليمه كيف يجد المعلومة التي يحتاجها وكيف يتعلم بنفسه.

ثانيا: كتابة التقارير العلمية التي تساعد الطالب على تقوية قابليته على صياغة المعلومات والتفكير والتحليل، وثالثا: الاهتمام بالمادة العملية وإعطاؤها أولوية كالمادة النظرية وتأهيل الكوادر القادرة على تدريسها، وأن يعمل الطالب بنفسه ما أمكن لكي يستطيع تصور المادة العلمية، وألا يكون العملي معتمدا على المشاهدة فقط. كذلك أخذت هذه الجامعات على عاتقها أن يكون الطالب المتخرج فيها - مهما كان قسمه واختصاصه - لديه خبرة في المثلث الفني الذي هو الإحصاء والحاسب الآلي وجمع المعلومات المكتبية، وبذلك ينتقل التعليم من التعسير إلى التيسير ومن النظري إلى العملي.. وإن العقول التي تستطيع استيعاب الأساسيات وصياغة المعلومات وتعمل بيدها وتفكر، هي الناجحة والمتميزة وليست العقول سريعة الحفظ والنسيان. وبذلك سوف يتحسن مستوى الخريج وأداء العمل المنوط به.

أما تطوير البحث العلمي، فيجب أيضا أن نبدأ بالكادر الجامعي وإيجاد معيار واضح لتقويم أداء عضو هيئة التدريس وحثه على البحث العلمي والاختيار الجيد للكادر الأكاديمي. وأفضل ما نطمح إليه هو أن يكون الأكاديمي الناجح والمتميز في جامعاتنا هو الذي - أولا - يستطيع أن يقدم تعليما متميزا. ثانيا: له القابلية على عمل بحوث علمية يستطيع نشرها في مجالات عالمية ذات مستوى وتحكيم أكاديمي جيد. ثالثا: لديه إمكانية الحصول على دعم مالي لأبحاثه وتحويل أفكاره العلمية إلى مال. رابعا: معروف في مجال اختصاصه وله اتصالات عالمية ونشر مع علماء متميزين باختصاصهم. رابعا: له حضور متميز في المؤتمرات الداخلية والخارجية. خامسا: يستطيع أن يحول الإجازات إلى إنجازات ويهتم بالوقت المتاح له.

إن تطوير التعليم والبحث العلمي يجب ألا يكون منفصلا عن تطوير الأقسام العلمية. لذا يجب أن نركز على تطوير الأقسام العلمية لكي تستطيع أن تقوم بمهماتها في تطوير التعليم والكادر الأكاديمي لتحقيق تميز في بعض الاختصاصات، وأن تكون مركزا متميزا يقصده الكثير من الباحثين للتعلم والاستفادة. ولعل أهم ما تقوم به الأقسام العلمية هو: أولا: التدريب المستمر للكادر الأكاديمي والفني عن طريق الاشتراك في الدورات المعملية والإرشاد الأكاديمي. ثانيا: خلق نوع من التنافس بين أساتذة القسم الواحد أو الأقسام المختلفة عن طريق النشرات الداخلية التي تهتم بنشر نشاطات الأستاذ الجامعي المتميز. ثالثا: تكوين مجاميع بحثية في كل قسم حسب الاختصاصات، وإيجاد تواصل بينها وبين المجاميع المماثلة في جامعات الداخل والخارج. رابعا: الاستفادة من الأساتذة المتميزين في الجامعة في المجاميع البحثية وتشجيع الكادر الخامل وتحفيزه على التعلم المستمر والإنتاج العلمي. خامسا: استحداث برامج للدراسات العليا استنادا إلى سوق العمل، وهذا أيضا يساعد الكادر الأكاديمي على تطوير قابليته البحثية والتعلم المستمر. سادسا: أن يكون البحث العلمي جزءا من واجبات الكادر العلمي لتطوير وبناء المجتمع وليس للترقية العلمية فقط. سابعا: محاولة الأقسام الاهتمام بالكادر النسوي التعليمي وإشراكه في كل الفعاليات التي من شأنها تطوير كفاءته. ثامنا: إعادة النظر في تركيب الكورسات في القسم بحيث يتوفر الوقت الكافي للأكاديمي الجامعي لإجراء بحوثه.

لذا، فإن تطوير التعليم والكادر الأكاديمي ضرورة ملحة ويجب التعجيل بها، ولا تحتمل التأخير لتحسين الجودة الأكاديمية من أجل النهوض بجامعاتنا لكي تأخذ مكانتها العالمية. ولا بد من الاستفادة من تجارب الجامعات المتقدمة التي أصبحت مراكز للبحث العلمي وشريكا رابحا مع الشركات المستفيدة من نتائج بحوثها العلمية. فإذا حققت أقسامنا في جامعات العالم العربي تميزا في بعض المجالات الأكاديمية، واستمرت في تدريب الكادر الأكاديمي وتحفيزه على التعلم المستمر، وربطه مع المجاميع البحثية في الجامعات المتقدمة، عندئذ يمكن لهذه الجامعات المنافسة العالمية والحصول على ترتيب مناسب في التصنيف العالمي.

* أستاذ بجامعة جازان السعودية