الهستيريا تحجب الرؤية عن اليمين

TT

الهستيريا الدائرة بشأن خطط إقامة مركز للجالية الإسلامية في مانهاتن - وعلى بُعد بنايتين من موقع مركز التجارة العالمي، وفي وسط منطقة حضرية فيها خليط من المباني التي تضم مكاتب ومطاعم وحانات – تتسم بطابع عشوائي وبشكل مبالغ فيه، وسيكون من المضحك إذا لم تهدد بالتسبب في أكبر ضرر للحملة العالمية ضد الإرهاب الإسلامي.

وأصبح من المعلوم بشكل مؤكد الآن أن من يروج لهذا المشروع الذي يطلق عليه اسم «بارك 51»، رجل دين مسلم محب للسلام تشبه خطبه، في كثير من الأحيان، تأملات المعلم الروحاني الهندوسي ديباك شوبرا، بل من المعروف والذي لا جدال فيه أيضا أن الإمام المذكور، فيصل عبد الرؤوف، شخصية معتدلة إلى درجة أن الحكومة الأميركية ترسله بانتظام كمبعوث لها إلى الدول الإسلامية لنشر دعوة السلام والتعايش والحوار.

ومع ذلك، احتشد المعلقون والسياسيون اليمينيون معا لتصوير المشروع باعتباره اعتداء خطيرا، وتصوير «الشعب الأميركي» بأنه ضحية. لكن ضحية ماذا؟ مؤامرة رؤوف الشريرة لإفساد المدينة بمركز للياقة البدنية وحمام سباحة ومكان لتعليم الفنون؟

يعد هذا «الجدال» برمته أمرا مثيرا للسخرية. لكن المحافظين، الذين يملكون معلومات أكثر، يبذلون قصارى جهدهم لاستغلال الجهل المنتشر عن الإسلام وتحويله إلى خوف وغضب. إنهم يعنون ضمنا، لكن من دون التصريح بذلك، أن الإسلام نفسه هو الذي هاجم الولايات المتحدة يوم 11 سبتمبر (أيلول) 2001، وليس مجرد فئة متطرفة تتبنى أفكارا تعتبرها الغالبية العظمى من المسلمين تحريفا لدينهم. إنهم يصورون مشروع «بارك 51» على أنه «رقصة النصر» فوق الأرض المقدسة التي لاقى آلاف الأميركيين حتفهم عليها - ناهيك بأنه لن يكون هناك أي صلة بين المشروع وموقع مركز التجارة العالمي - ويقولون إن هذا المشروع، على الرغم من أنه سيقوم بإدارته هذا الإمام المحب للسلام، سيكون مركزا لتجنيد الإرهابيين.

رسالتي إلى كل من يصغي إليهم: أنتم ضحية. خذوا حذركم.

ولإتمام هذه المهمة، فإن المعارضين للمركز الإسلامي يقومون بالفعل بتجنيد الإرهابيين من اليمين واليسار. وكما قال أحمد موصلي، وهو أستاذ في الجامعة الأميركية في بيروت، لصحيفة «لوس أنجليس تايمز»: «رفض هذا المشروع أصبح مكافئا لرفض الإسلام نفسه». كل الخطب المعادية للإسلام تدعم حجة الجهاديين الرئيسية، وهي أن الولايات المتحدة والغرب يسعون لتدمير دين الإسلام الذي يعتز به أكثر من مليار فرد.

المهم في الأمر هو أنه على الرغم من أن الضجة التي أثيرت حول مشروع «بارك 51» هي جزء من نمط أوسع نطاقا يتقمص فيه اليمين المتطرف دور الضحية ويحاول تأجيج مخاوف العامة. المجموعة التي تحب أن تصور نفسها على أنها مجموعة من المدافعين عن الأمة، تقضي، حسبما اتضح، وقتا كبيرا منكمشة في الزاوية وهي تشكو كيف أصبح كل من حولها متوحشين.

شاهد حالات الإثارة المتكررة عن الحالات العنصرية المنعكسة، سواء كانت حقيقية أو متوهمة. وقضية شيرود شيرلي هي أحدث مثال يظهر شغف اليمين المتطرف بنشر وبث كذبة مفادها أن الأميركيين من أصل أفريقي، بمجرد أن يرتقوا إلى مناصب في السلطة سيستخدمونها لمعاقبة البيض على ما قاموا به من تمييز ضدهم عبر التاريخ. وقائع قضية شيرود، التي ظهرت مؤخرا، تفند بشكل مقنع هذه القصة الخيالية عن الانتقام الذي طال انتظاره. ولكن هذه القصة ستحدث مرة أخرى.

وانظر إلى الهستيريا المتعلقة بالهجرة غير الشرعية. ويبدو أن من تتملكهم الهستيريا لا يأبهون بالأرقام. على سبيل المثال، انخفاض تدفق المهاجرين غير الشرعيين، وتشديد صرامة الإجراءات المطبقة على الحدود في ظل الرئيس أوباما عن تلك التي كانت سارية في عهد الرئيس جورج بوش، وكون المهاجرين غير الشرعيين ليسوا مسؤولين عن أي موجة من موجات الجريمة. وقد ذهب النائب لوي غوهميرت، ليحذر من خطر «الأطفال الإرهابيين». والفكرة هي أن النساء الحوامل اللاتي يدخلن الولايات المتحدة من دون وثائق وعبر الحدود يمكن أن يحصل أولادهم على الجنسية الأميركية، ثم يأخذوا الأطفال بعيدا لينشئوهم كإرهابيين سيكونون قادرين على العودة، بعد 20 سنة أو نحو ذلك، إلى الولايات المتحدة بجوازات سفر شرعية ليعيثوا فيها فسادا.

هل اليمين المتطرف حقا يخاف من ظله؟ هل هؤلاء الناس لديهم ثقة تذكر بقوة أمتنا والمرونة والقيم التي تملكها؟ آمل أن يكون هذا كله نتاج حسابات سياسية متشائمة فحسب، لأن هناك تهديدات وتحديات حقيقية بانتظارنا. الأفضل مواجهتها بشجاعة.

* خدمة «واشنطن بوست»