إلى عشاق الخلافة

TT

تدعو جماعة (الإخوان المسلمين) ومن سار على نهجهم بعودة (الخلافة) الإسلامية، وكأنها هي التي سوف تنزل (المن والسلوى) وتحل جميع المشكلات، لما تتميز به من الورع والتقوى والعدل والأخلاق.

ونسوا أو تناسوا أن التاريخ الإسلامي امتلأ عبر القرون بالكثير من الخلفاء الذين عاثوا بالمجتمعات ظلما ومجونا، ولضيق الحيز سوف أورد مثالين اثنين، أولهما عن الخليفة (الأمين)، وكانت والدته زبيدة طرفا فيما حصل، وذلك مثلما ذكرت لنا المصادر التاريخية: أنها رأت ولدها الخليفة (الأمين) يفضل أن يتولى الغلمان شؤون الخدمة، ولذلك رفع منزلتهم، واتخذ لهم زيا تبدو به أبهتهم، واستغنى بهم عن الجواري.

فهال (زبيدة) الأمر، وأرادت أن تحفظ للمرأة حظوتها في قصر الخلافة، واحتالت لذلك بأن اتخذت جواري حسان الوجوه، وعممت رؤوسهن وصففت شعورهن كتصفيف شعور الغلمان، وألبستهن مثل ثيابهم، فبدت الجواري في زي الغلمان وهيئتهن أفتن منظرا، وأبهى جمالا.

فلما رآهن الخليفة (الأمين) على تلك الحال أعجب بهن، وأبرزهن للخاصة والعامة، واستغنى بهن عن غلمانه في السعي بين يديه، والخدمة له.

وقد وقع ذلك الصنيع من نفوس الأمراء والقواد وكبراء الدولة موقعا حسنا، فكانوا يتخذون الجواري وصائف، ويلبسونهن زي الغلمان ويطلقون عليهن اسم (الغلاميات)!

فهذا الخليفة لم يكفه الغلمان فقط، وبمباركة ومساعدة والدته تحولن إلى (غلاميات) كذلك!!

وإليكم أيضا يا من تحنون إلى عهد الخلافة، إليكم خليفة آخر هو (أبو جعفر المنصور)، ومثلما تقول لنا كذلك مصادر التاريخ التي لم نأت بها نحن، وهي تقول:

في أيام الخليفة العباسي (أبو جعفر المنصور) أنفذ ملك الروم إليه رسولا لتوثيق أواصر الود، فورد الرسول على الخليفة، وبينما هو يسير على الجسر في صحبة مرافق له من وجهاء الدولة العباسية، رأى عليه جماعة من العاجزين والمرضى يسألون ويستجدون، فقال لمرافقه: كان على الخليفة أن يرحم هؤلاء، ويكفيهم مؤونة السؤال. فأجابه المرافق: إن الأموال لا تسعهم!

ولما علم الخليفة بالأمر، لم يعجبه ذلك الجواب، فاستدعى إليه رسول ملك الروم، وقال له: «إن الأموال واسعة، ولكني أكره أن أستأثر على أحد من رعيتي وأهل سلطاني بشيء من حظ أو فضل في دنيا وآخرة، وأحب أن يشاركوني في ثواب العاجزين والمرضى، حين يسألون أهل الخير والإحسان من ذوات أيديهم، فيعطونهم مما أفاض الله عليهم من الرزق، ليكون ذلك تمحيصا لذنوبهم، ونجاة لهم في آخرتهم».

طبعا تبريره ذاك مضحك ولا يدخل العقل نهائيا.

ومن المعروف والمؤكد أن أبو جعفر المنصور كان شحيحا وبخيلا جدا، ويحب المال حبا جما على حساب الفقراء والضعفاء والمساكين.

وهذا شيء من (العدل) الذي يتوق إليه عشاق الخلافة.

[email protected]