في النفط والشفط!

TT

منذ سنوات يتحدث الباحث الدكتور نبيل خليفة عن أن جزءا كبيرا من الصراع السياسي في لبنان، سببه وجود كميات هائلة من النفط قبالة الساحل الممتد من الحدود مع فلسطين إلى الحدود مع سورية. وكنت كلما أصغيت إلى الدكتور خليفة وهو يحكي في هذا الأمر، أقول في نفسي: كان الله في عون البحاثة فهم يتخيلون! وذات مرة وجدتني مع الدكتور خليفة في برنامج تلفزيوني واحد، فقلت في نفسي سوف نعود الآن إلى أسطوانة النفط. وفي نهاية البرنامج أعطاني كتابه حول جيواستراتيجية الوضع النفطي في لبنان. قرأته بإعجاب ولكن ليس باقتناع. فنحن نسمع إشاعات النفط في لبنان مذ كنا أطفالا. وفي الكتاب يقول الدكتور خليفة إن في لبنان ست ثروات: المياه، والمناخ، والانتشار حول العالم، وطاقة الشباب على التميز، والتراث، والديمقراطية، وإن الثروة السابعة هي النفط. وذلك على طريقة القول إن بيتهوفن وضع ثماني سيمفونيات ثم وضع التاسعة. وعندما حدد خليفة أماكن وجود النفط سارع كثيرون إلى شراء الأراضي فيها. وبينما كنا نأخذ كلام خليفة على محمل العبث، كانت إسرائيل توسع جبهتها البحرية قدر مساحة لبنان، لأن خبراءها اكتشفوا كميات هائلة من الغاز هناك.

تحدث خليفة في البداية عن وجود 8 مليارات برميل، ثم قال إن الكمية تزيد على 18 مليارا، وهو الآن يقول إنها قد تبلغ 24 مليارا، أي ما يساوي «حقل مجنون» في العراق. وبما أن الدولة اللبنانية طرحت الموضوع رسميا ونقلته إلى مجلس النواب، فلم يعد من الممكن قراءة كتاب الدكتور خليفة بإعجاب ولكن دون قناعة.

ماذا يحدث عندما يقال لك إن في بلدك ثروة نفطية؟ شخصيا يقلقني الأمر. هذا يعني أن لبنان الذي هو موضع نزاع دولي سوف يتحول إلى ساحة أكثر تصارعا وخطرا. ويعني أن المافيات اللبنانية المستعدة إلى أن تحرق وتدمر من أجل الحشيش، تستعد منذ الآن إلى الانقضاض على الثروة الجديدة. وهذا يعني أن القوى الكبرى المهجوسة بالطاقة في أنحاء الأرض، سوف تتحرك لأخذ مواقعها في تلك البقعة، ربما عسكريا أيضا.

هل نرفض إذن، أن يكون لدينا من الاحتياطي النفطي قرابة ما لدى أميركا (29 مليارا)؟ أخشى أن أجيب بنعم. ففي مثل هذا المناخ السادي السائد في البلد، وفي مثل هذه الحالة من الفساد المعلن، ثمة شعور بأن الثروة لن تذهب إلى الناس. والأرجح أن أسماء كثيرة سوف تقفز إلى لائحة فوربس، لائحة طويلة من فارضي الخوة ومتقاسمي الحصص. ولن ننسى «حقوق» الطوائف في النفط الموعود. ولا يهم من قريب أو بعيد أن ثلث اللبنانيين في خانة الجوع. فإن لائحة فوربس للجائعين سوف تزداد هي أيضا.