سرقوا ودفنوا ولا عزاء!

TT

في لجنة الفلسفة بالمجلس الأعلى للثقافة التي أرأسها بدا لنا أن نضم أستاذا في الفلسفة يشار له بالبنان. ولكن فجأة دوت في القاعة كلمة: سارق.. لص.. إنه سرق.. ونشر.. سرق فلانا. ولم يجد حرجا في أن ينشر السرقات في كتابه دون أن يشير إلى أصحابها!

واقترح أحد الأعضاء فلانا الذي ألف وترجم ونشر مخطوطات سافر من أجلها إلى إسبانيا وهولندا.. ودوت في القاعة كلمة: سرق.. سارق..

وفي اليوم التالي، نشرت الصحف عن سرقات أدبية صارخة. صارخة لأن السارق استولى على نصوص ليست له. وصاحب النصوص حي يكتب ويقرأ. فرفضوا أن يمنحوه شهادة الماجستير..

وظهر سارق رابع وخامس.. حتى أصبح من الضروري أن نسأل, قبل أن نرشح أحدا من الأساتذة لأي شيء, إن كان قد سرق.. أو أنهم سرقوه!

وقديما تناول ابن شهيد القرطبي في القرن الخامس الهجري هذه السرقات الأدبية. وفضح الشعراء بمنتهى القسوة في كتابه الشهير (التوابع والزوابع)، وهي رحلة في عالم الجن التقى فيها الشعراء والأدباء والنقاد وتفوق على الجميع. فكأن ابن شهيد أراد أن يكشف عبقريته التي أنكرها عليه معاصروه.

إننا في حاجة إلى ابن شهيد وعصاه وحذائه أيضا.. فنحن - بسبب الخجل والشعور بالفضيحة - قد عاتبنا اللصوص من الفلاسفة والأدباء برفق شديد وحزن عميق.. فقد أردنا أن ندفن الفضيحة في هدوء وإيجاز شديد.. تماما كما نقول: فلان قد مات أمس ولا عزاء له.. كذلك لصوص الأدب. سرقوا ودفنوا ولا عزاء!

وكان أستاذنا العقاد نموذجا رفيعا.. فكان إذا أخذ عنوان مقال أو قصيدة نجده قد أشار في الهامش بأن هذا العنوان قد أخذه عن الشاعر فلان من ديوانه الأخير.. أو يقول جاء هذا التعبير في حوار بيني وبين فلان وهو صاحب هذا التعبير، وليس أنا - الله.. ما أروعك يا أستاذ؟!