تركيا تتحدى «مزرعة الحيوان»

TT

كان جورج أورويل (إريك آرثر بلير) راوي قصص متميزا، ولا شك في ذلك. ولكن يمكن لتركيا في القرن الحادي والعشرين - وبصورة غريبة - أن تنافس قدرات أورويل التخيلية، بل يحدث ذلك على أرض الواقع أيضا! وفي روايته الرمزية «مزرعة الحيوان» كتب الرجل الإنجليزي مقدمة اشتكى فيها من رقابة ذاتية داخل بريطانيا وكيف كان الشعب البريطاني يقمع انتقاد الاتحاد السوفياتي، الذي كان حليفا لبريطانيا في الحرب العالمية الثانية، وقال: «الحقيقة المشينة المرتبطة بالرقابة في إنجلترا أن ذلك يتم طوعيا وعلى نطاق واسع.. وتستبعد أشياء عن الصحافة البريطانية من دون تدخل الحكومة، ولكن بسبب توافق ضمني عام على أنه لن يفيد ذكر هذه الحقيقة على وجه التحديد». ولو كان أورويل يعيش في تركيا في القرن الحادي والعشرين، لربما استخدم إشارات رمزية أكثر قوة.

في عام 2005، رفعت متظاهرة، كانت تنتظر خروج رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، لافتة كتب عليها: «رئيس وزراء مَن أنت؟» وألقي القبض عليها فورا، وهرع محامو رئيس الوزراء إلى المحكمة، وطالبوا بسجنها. وبعد ذلك أسقط المدعي التهم ضدها. وفي مارس (آذار) 2009، طلب محمد أمير دارج، وهو سائق تاكسي سابق في أضنة، الحديث إلى أردوغان خلال حشد عام. وكان محمد يريد أن يخبر رئيس الوزراء عن المآسي التي يعاني منها بعد حادث طريق ألحق به إعاقة، ولكنه لم يتمكن من القيام بذلك. وضُرب محمد، وألقى حراس أردوغان القبض عليه. وذكر تقرير طبي تعرضه لإصابات. وفي مارس 2009 أيضا، اعترض طالب يبلغ من العمر 13 عاما في آيدن على موكب أردوغان بأن قال «الله سيعاقبك!». وأوقف أردوغان موكبه، وقام حراسه بإلقاء القبض على الصبي وجاءوا به إلى رئيس الوزراء، وحسب ما ذكره الصبي، قام رئيس الوزراء بالضغط على كتفه ورقبته بشدة لإيذائه. وبعد أن رحل الموكب، ألقي القبض على الصبي، وأطلق سراحه بعد ذلك. ولكن ورد في تقرير طبي تعرضه لكدمات.

وفي يوليو (تموز) 2009، كانت مجموعة من مغني الروك يستمتعون بوقتهم على الرصيف داخل اسطنبول، ولوحوا بعلامة تجاه موكب أردوغان أثناء مروره. وألقى رجال الشرطة القبض على الرجال، وأطلق سراحهم بعد 25 ساعة. وخلال التحقيق معهم سئلوا: «ما الحزب الذي صوتوا له في (انتخابات مارس)؟»، و«عما إذا كانوا قد شاركوا في تجمعات جمهورية (مناوئة للحكومة) عام 2007». وفي 25 يوليو 2010، جرى كمال دوران، وهو مهندس يبلغ من العمر 37 عاما، ناحية حافلة أردوغان الانتخابية في ملاطية وصرخ: «الحرية يا سيادة رئيس الوزراء!»، وكان رئيس الوزراء هناك من أجل تعزيز الحريات الديمقراطية. ولكن لسوء حظ دوران، فقد ألقي القبض عليه وقضى 24 يوما في السجن قبل إطلاق سراحه. وقال دوران إن تصرفه كان مجرد تحرك احتجاجي من أجل حريات أكبر. ويتذكر أنه من بين الأسئلة التي وجهها إليه القاضي: «لماذا لا تزال أعزب في (هذه السن)؟»، وخلال الأسبوع الأول من اعتقاله، بقي دوران بمعزل عن العالم الخارجي.

ومؤخرا، رفع سياسي من حزب العدالة والتنمية يدعى سينغيز ياريمباس دعوى قضائية ضد كمال كيليشدار أوغلو، زعيم حزب المعارضة الرئيسي لأنه نادى أردوغان «رجب بك». وقال ياريمباس في دعواه إن وصف المناداة على رئيس الوزراء بـ«رجب بك» فيه إهانة للدولة التركية.

ولكن، فجأة سيبقى ذلك من الماضي في صباح 13 سبتمبر (أيلول). والفكرة الرئيسية في الخطابات التي أدلى بها أردوغان دعما للتعديلات الدستورية المقترحة أنه «من خلال التعديلات فإننا سنؤسس السلطة القضائية داخل الدولة». وبصورة غير مباشرة، سيكون. فبغض النظر عن الحزب الذي سيفوز بأغلب الأصوات، فإنه سيكون قادرا على السيطرة على السلطة القضائية.

وفي الواقع، فإن التعديلات سوف تحدث نظريا تغيرا بسيطا في الطريقة التي تعمل بها المنظومة القضائية. قبل الثورة المضادة داخل تركيا، كانت السلطة القضائية نوعا ما بطيئة وفاسدة وحزبية، وكانت تدعم المحاباة اعتمادا على «تضامن الزملاء». وفي الوقت الحالي، فإنها ستكون بطيئة وفاسدة وحزبية وتحابي بصورة مطلقة الحزب الحاكم. ولكن، يجب غض الطرف عن ذلك باسم الديمقراطية. وعلى سبيل المثال، فإن المدعي الذي أسقط التهم ضد المتظاهرة التي صرخت قائلة «رئيس وزراء مَن أنت؟» سيكون عليه التفكير مرتين قبل أن يوقع على قراره. وربما يواجه الصبي ذو الـ13 ربيعا نفس المصير لأنه دون السن. وربما يقضي المغنون 25 يوما بدلا من 25 ساعة في المرة المقبلة التي يحيون فيها أردوغان.

وبالنسبة لدوران، فإنه ربما يقضي 24 شهرا في السجن، وليس 24 يوما. وإذا كان متزوجا حينها، ربما سأله القاضي لماذا ليس لديك ثلاثة أطفال حتى الآن. ومن المؤكد أن كيليتشدار أوغلو سيحاكم، وإذا أسقطت حصانته البرلمانية، سيحصل على حكم بالسجن لأنه نادى رجب طيب أردوغان بـ«رجب بك». ويمكن للقارئ الأجنبي فقط أن يفهم «الذنب الذي أتناوله» من خلال هذه المقارنة: تخيل أن يحاكم شخص لأنه نادى رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون بـ«السيد كاميرون» (تسبق كلمة «السيد» في الثقافة التركية الاسم الأول للشخص.. خلافا للثقافة الغربية حيث تسبق «السيد» اسم العائلة)

هل هي «مزرعة حيوان»؟ مع الاعتذار لجمهور أورويل، ولكنها مملة جدا وليس فيها ابتكار!

* بالاتفاق مع صحيفة «حرييت ديلي نيوز» التركية