تركيا وأكرادها

TT

القضية الكردية ببعدها التركي لا تقل تشابكا وتداخلا عن الحالة العراقية. استراتيجية أكراد العراق باتت دون أي تردد تشكل بالنسبة للكثير من أكراد تركيا الذين يفوق عددهم 15 مليونا النموذج الواجب التقيد به والانصراف إلى التربص واقتناص اللحظة المناسبة للانقضاض وتحقيقه. ما قاله جميل شيشاك نائب رئيس الحكومة التركية دون تطويل ومراوغة يعبر عن حالة القلق التي يعيشها أكثر من 55 مليون تركي في هذه الآونة. (البعض يتطلع إلى تجربة شمال العراق وعلى ضوئها سيأتي مطلب الانفصال والاستقلال).

كما كان متوقعا ها هو موضوع الاستفتاء الدستوري المرتقب في 12 سبتمبر (أيلول) المقبل يبتعد يوما بعد آخر عن فكرته الأساسية، وهي استطلاع رأي المواطن التركي حيال رزمة الإصلاحات التي اقترحتها الحكومة والمرتبطة بتنظيم هيكلية وعمل أهم المؤسسات القضائية والعسكرية والمدنية في البلاد. العامل الجديد الذي دخل بقوة على خط المواجهة بين الحكم والمعارضة هذه المرة هو تفاعل موضوع القضية الكردية في تركيا لدرجة بات يصعب معها تخمين ما تحمله لنا الأيام المقبلة من مفاجآت.

الانفجار السياسي الجديد وقع عندما وقف مراد قرة يلان أحد قادة حزب العمال الكردستاني يعلن أن اتصالات جرت بين عبد الله أوجلان في سجنه وشخصيات تركية رسمية قادت إلى قرار وقف النار الأخير من جانب الحزب وإلى تعهدات متبادلة في ترجيح لغة الحوار على لغة السلاح والحل العسكري. ومع أن قيادة الجيش التركي سارعت إلى الإعلان أنها خارج كل ما يجري وملتزمة بقرار القضاء على هذه الجماعات فإن الكثير من القيادات الكردية في جنوب شرقي تركيا رحبت على الفور بهذه الخطوة الانفتاحية رامية الكرة في ملعب الحكومة والمعارضة السياسية ليدخلا في مواجهة من الصعب المراهنة على نتائجها ومضاعفاتها. رئيس بلدية ديار بكر عثمان بايدمير وقف قبل أيام يحدثنا عن خيار الديمقراطية الذاتية في جنوب شرقي تركيا وضرورة الاستفادة من تجربة شمال العراق ليعقبه على الفور تصريحات نارية لأحمد تورك الزعيم السابق لحزب السلم والديمقراطية والمحظور سياسيا في هذه الآونة ليحدد باسم حركة «مؤتمر المجتمع الديمقراطي» معنى وأهداف مشروع الحكم الذاتي بالنسبة لأكراد تركيا الذي يقوم كما فهمنا منه على استقلالية عرقية سياسية وإدارية.

رجب طيب أردوغان الذي أغضبه ما ينشر ويكتب عشوائيا ومزاجيا حول هذه المسألة، قال إن الحكومة لا ولن تحاور حزب العمال، هناك مؤسسات في الدولة تتحرك عندما ترى أن مصلحة البلاد العليا تتطلب ذلك، لكنه مع ذلك لم يساهم كثيرا في وقف هذا الضجيج الذي دفع تركيا وأكرادها إلى الدخول في نقاش سياسي دستوري كان حتى الأمس القريب في طليعة المواضيع المحظورة في البلاد.

سيناريوهات كثيرة تتطاير في سماء تركيا في هذه الآونة، كان لشجاعة أردوغان وحزبه الفضل الأكبر في محاولة إخراجها من الفانوس مراهنين على مساعدة المارد العملاق في حلها وحسمها والجميع ينتظر ما سيقوله رئيس الوزراء التركي بعد أيام أمام أنصاره في مدينة ديار بكر عقر الغالبية الكردية في تركيا. هل سيترك الحوار يتفاعل ويستمر على هذا النحو أم أنه سيقطع الطريق عليه بإعلان موقف نهائي وحاسم لا يقل قساوة على مطلب الحكم الذاتي في قضية ألزمت الجميع بخطوطها الحمراء التي رسمت منذ إعلان الجمهورية قبل 90 عاما؟

شخصيات سياسية وإعلامية تقول إن محاورة أوجلان ليست الأولى ولن تكون الأخيرة. الحوار مع حزب العمال بدأ منذ الثمانينات في محاولة لإقناعه بالتخلي عن لغة السلاح والقوة. لكن آخرين يرون أن الحكومة التي كانت تسعى بشكل أو بآخر لإقناع القيادات الكردية بالتراجع عن فكرة مقاطعة الاستفتاء وجدت نفسها في ورطة أكبر. نقاش سياسي فكري إعلامي واسع يفتح ملف القضية الكردية في تركيا على وسعه ويحدد مستقبل عبد الله أوجلان المعتقل منذ أكثر من 10 سنوات في سجن إيمرالي، خصوصا أن زعيم المعارضة اليسارية كمال كيليشدار أوغلو، وفي محاولة لاسترداد أصوات القواعد الكردية في جنوب شرقي تركيا سارع للحديث عن مشروع العفو العام في البلاد الذي أغضب الحكم والمعارضة على السواء لأنه قد يطال إطلاق سراح عشرات كبار الضباط والأكاديميين ورجال الأعمال الأتراك المتهمين بالإعداد لضربة عسكرية وإسقاط حكومة العدالة والتنمية قبل أن يطال إطلاق سراح أوجلان نفسه.