حل الدولتين على حدود 1967 ليس الأصوب

TT

تتوافر لدى الأطراف المعنية - إسرائيل والسلطة الفلسطينية والحكومة الأميركية - قناعات واضحة لمواصلة مسرحية عملية سلام الشرق الأوسط، لكن الصحافة الدولية ترفض الانسياق في هذه العملية. فما يعرف بحل الدولتين ضرب من الاحتيال وسيظل كذلك. وكل الأطراف الداخلة في العملية تعرف أن حل الدولتين أمر غير ممكن، ومن ثم يجب عليهم تركيز النقاشات على العملية لا السلام. من ناحية فلسفية، فإن حل الدولتين السلمي لا يمكن أن ينهي النزاع لأن الدول تتعامل مع بعضها من منطق القوة، فالدولة الأكثر قوة، دولة إسرائيل، ستواصل ببساطة فرض حلها العسكري على الفلسطينيين. كما أنه لا اتفاق على الطاولة الآن أو في أي وقت في المستقبل سيمنح الفلسطينيين دولة، حتى وإن كان فنلنديا.

يجب على الأطراف المعنية أن تبدأ الحديث صراحة حول ما سيكون وما يمكن أن يكون على الطاولة والتوقف عن الادعاء بأن الموضوع الرئيسي للنقاش هو حل الدولتين. لماذا تواصل السلطة الفلسطينية التمسك بتلك الرواية السخيفة بأن الفلسطينيين سيكون لهم دولة على شيء مثل حدود الخط الأخضر؟ لأن شريان حياتها من المساعدات الدولية يعتمد على فرضية أنها تمثل دولة فلسطينية محتملة. حتى أن معارضا بارزا مثل مصطفى البرغوثي (بحسب مجلة «فورن بوليسي» في عدد يوليو (تموز) 2010) بدأ يصدق هذه الأسطورة، ويواصل الحديث عن دولة على أساس حدود 1967.

تواصل إسرائيل الحفاظ على واجهة المفاوضات كي تتمكن، دون ككل أو وخز من ضمير، من وضع النهاية التي ترغب بها. فيواصل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو سياسة تعود إلى أيام ولاية آرييل شارون كوزير للإسكان (1990 - 1992) حيث كان مباشرا في تعنته بشأن القدس وبناء المستوطنات. وقد أثبت الزمن أن تقييم إيان لاستيك لسياسة الشرق الأوسط عام 1997 في أن مثل هذا التعنت سمح لنتنياهو بالظهور كسياسي يأخذ عملية السلام على محمل الجد في الوقت الذي يضمن فيه فشلها. ففي يناير (كانون الثاني) من عام 2010 أكد أن مستوطنة آرييل عاصمة السامرية، وقال «كل من يفهم جغرافية إسرائيل يعلم مدى أهمية آرييل لنا، إنها قلب البلاد ونحن هنا حيث كان أسلافنا وسنظل هنا». (صحيفة «جورازليم بوست» 29 يناير 2010).

وخلال الإعلان عن المحادثات الجديدة، تجنبت وزيرة الخارجية بشدة أي ذكر لحدود 1967 لأن الحكومة الأميركية تعلم أن نتنياهو لا يزال متعنتا. وإجمالا فإن تجنب الحكومة الأميركية على نحو خاص الذريعة بأن حدود 1967 تشكل أهمية، حصل نتنياهو على بعض التنازلات. ونظرا لأن السلطة الفلسطينية وافقت على المشاركة على أساس عدم أهمية حدود 1967 فإن الاعتقاد الرئيسي هو أن إسرائيل ستحصل على أجزاء واسعة من الضفة الغربية والقدس سيكون قد طرح قبل حتى بدأ المفاوضات.

وقد أشار دانييل كيرتزر، السفير الأميركي لإسرائيل بين عامي 2001 و2005، مؤخرا إلى حقيقة جديدة على الأرض خلقتها المستوطنات الإسرائيلية التي قالت عنها صحيفة «تايمز» البريطانية في عددها الصادر 21 أغسطس (آب) إنها تؤكد استحالة قيام دولة فلسطينية في الضفة الغربية. وتظهر نظرة خاطفة على خرائط الضفة الغربية في الفترة من 1967 إلى 2010 أن المفاوضات التي بدأت من فرضية منطقية تمت صياغتها عام 1967 ليس محكوما عليها بالفشل، لكنها غير ذات صلة بالأمر. على الرغم من رفض جماعات الاستيطان تفسير بيتسيلم لبيانات الخريطة، فإن ذلك لم يثر جدلا حول طريق بارير أو وجود المستوطنات الإسرائيلية والقواعد العسكرية المبينة عليها.

وبغض النظر عن أهمية مستوطنة آرييل - بأركان أو مناطق القدس فإن التراجع عن القضية المباشرة للحدود المتوقعة، ربما يكون من المهم التفكير في كيفية مناقشة الشعب الإسرائيلي لمستوطنات مثل إيمانويل، الواقعة على بعد 15 كيلومترا شرق الخط الأخضر. كتبت صحيفة «هآرتس»: «إسرائيل بحاجة في القرن الحادي والعشرين لأن تقرر أين تنتمي إلى منظمة التعاون الاقتصادي أم إلى إيمانويل. ومن الأهمية بمكان تعزيز المحكمة وتذكير الوزراء وأعضاء الكنيست والأحزاب بمسؤولياتهم والتزاماتهم تجاه الحفاظ على قواعد اللعبة الديمقراطية ودعم قرارات المحكمة العليا، فهذا صراع قوة ومن يرغبون في قيام دولة القانون عليهم ألا يستسلموا».

ربما يكون محمود عباس معذورا إذا اعتقد أن هذا التعليق من رئيس تحرير «هآرتس» اليساري بشأن مستوطنة إيمانويل يتعلق بموقفها القانوني الغامض: إنه حالم. ظهرت مستوطنة إيمانويل في بؤرة الضوء الصيف الحالي بسبب الجدل الكبير بين اليهود السفارديم والأشكيناز حول الفصل بين تلميذات المدارس على أساس الهوية «السفاردية». قراءة أي صحيفة إسرائيلية بشأن هذا النزاع ستكشف لك أن جميع الأحزاب الإسرائيلية تعتبر إيمانويل جزءا من إسرائيل مثل تل أبيب.

تجدد البناء في سبتمبر (أيلول) بعد أن أنهى نتنياهو عشرة أشهر من التوقف (مقابل مفاوضات صورية ولجنة سفينة مافي مرمرة) سيركز على شريط الطريق السريع 60 بين إسرائيل والضفة الغربية والمستوطنات الثلاث - إيتامار وإيلون موريه ويتسهار - جنوب نابلس. وقد بدأ الهجوم بالفعل، ففي أبريل (نيسان) هاجم مستوطنون من مستوطنة يتسهار المنازل وقاموا بتشويه واجهة مسجد في قرية حوارة الفلسطينية، على مفرق الطريق السريع 60 والطريق السريع 57، الشهر الماضي، كما اعتقلت الشرطة الإسرائيلية الشهر الماضي مستوطنا من يتسهار بتهمة قتل صبي فلسطيني في القرية. وقد اقترحت قوات الدفاع الإسرائيلية، هدم مدرسة دينية في يتسهار، وحصلت على موافقة المحكمة الإسرائيلية لكن وجود ما يقرب من 2500 مستوطن يهودي في المستوطنات الثلاث وزيادة وتيرة المواجهات في حوارة، من المؤكد أنه أثار قلقا بالغا لدى السكان المحليين الفلسطينيين. وتشكل قرى إسكاكا ويوسف الفلسطينية حاجزا دقيقا بين حدود مستوطنة آرييل وشريط إيلي (إيلي وريهيلم وشيلو) ليست بعيدة عن هذا الصراع، سواء عبر إحراق المساجد في يوسف في فبراير (شباط) 2009 وفي لبان الشرقية في مايو (أيار) 2010، التي تقع على الطريق السريع 60 من إيلي. وقد أدانت الحكومة الإسرائيلية مثل هذه الهجمات لكنها لم تبذل جهودا كبيرة لمعاقبة المسؤولين عنها. وسكان مناطق مثل يوسف ولبان الشرقية وحوارة سيعيشون ما حدث لهم في عام 1947.

إذا كان حل الدولتين كذبة واضحة، فماذا تقترح الأطراف المختلفة الحديث بشأنه. يعرض الإسرائيليون:

1) إقليم فلسطيني شمالي يشكله مثلث جنين وطولكرم ونابلس.

2) إقليم جنوبي ربما يسير من بيت لحم وحتى الخليل لكن مستوطنة تيكوا تسد جنوب بيت لحم المحاطة بالفعل من الغرب والشمال.

3) محميات غير معزولة تماما ومعرضة للخطر في المنتصف (القدس الشرقية ورام الله وربما بيت لحم في نهاية المطاف). هذه المدن المعزولة ستكون معتمدة بشكل كامل على البضائع الإسرائيلية، وسيحد افتقارها إلى البنية التحتية، مثل المطارات بشدة، من قدرتها على جذب الاستثمارات الأجنبية، لذا سيستمر اعتمادها على المساعدات من أجل النهوض اقتصاديا. وسيسارع التآكل التدريجي للمزارع الفلسطينية من جعل هذه المدن أكثر اعتمادا على المساعدات الغذائية أيضا. فهل السلطة الفلسطينية تدرك هذه الحقيقة؟ نعم، ولذا عمدوا إلى إلغاء الانتخابات البلدية التي كان مقررا لها 17 يوليو على الرغم من إعلان حماس مقاطعتها لها، لأنهم يعلمون أنهم سيخسرونها لصالح المستقلين في أكبر مدينتين هما الخليل ونابلس، إضافة إلى المدن الرئيسية الأخرى. وقد فشلت فتح في الدوائر الانتخابية بسبب الفساد، فالخداع يغذي الفساد، وبناء حركة بأكملها على كذبة - بأن الفلسطينيين سيحصلون على دولة حقيقية أو شيء قريب من حدود 1967 - يصنع فسادا ممنهجا. الفضائح الإسرائيلية المتتالية حول البناء على الأراضي الفلسطينية خاصة في المناطق المحيطة بالقدس، تقدم قضية نموذجية تتضمن رموزا متنوعة مثل مؤسسة الكنيسة الأرثوذكسية اليونانية المحلية وتضم بطريركيات القدس وسياسيين في نيوجيرسي ورئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت.

ويبدو أن فتح تدرك أن ذلك كان بشأن فقد السيطرة على المنطقتين الأساسيتين المجاورتين في الضفة الغربية. وإذا ما بدأت المساعدات الدولية في التدفق على الحكومات المحلية غير التي تديرها فتح، فعندئذ لن تتمتع فتح بمكانة خارج نطاق المفاوضات المزعومة. لن تكون هناك مفاوضات ولا مساعدات دولية: فالفساد بحاجة إلى الأموال. بالنسبة لإسرائيل فإن كل يوم من المفاوضات المزعومة سيشكل يوما آخر في بناء الجدار العازل عبر مصادرة الأراضي الفلسطينية وتعزيز المستوطنات. وبالنسبة لإدارة أوباما ربما يكون تجدد المفاوضات عونا للديمقراطيين في انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني). وما دام أنه يواصل تمثيلية المشاركة في المفاوضات يمكن لنتنياهو إنهاء حظر البناء في سبتمبر دون خوف من أي ردود فعل أميركية حادة قبيل انتخابات التجديد النصفي للكونغرس.

مصالح الأطراف الثلاثة في مواصلة تمثيلية المفاوضات واضحة للغاية. وبالنسبة للبقية منا، بمن فيهم الفلسطينيون الذين يعارضون قيام دولة تتألف من مجموعة من المحميات المعزولة مركزة في نابلس والخليل، ربما يكون الوقت قد حان لوقف استخدام عبارة «عملية السلام»، و«حل الدولتين». ستقوم دولة إسرائيل باستكمال منطق الحل السياسي - العسكري، ثم التفاوض حول قانونيته. إذا كان هذا الحل، الذي فصلناه بالأعلى، لا يلائم الفلسطينيين فهم بحاجة إلى طرح بديل قابل للتطبيق على الطاولة. فحل الدولتين القائم على حدود 1967 ليس البديل الأصوب.

* أستاذ التاريخ في جامعة جورج تاون الأميركية