كلمة سواء إلى حزب الله

TT

«إن نصف الناس أعداء لمن وُلي الأحكام هذا إن عدل»

(ابن الوردي)

أعادت الاشتباكات المسلحة التي شهدتها أحياء في غرب العاصمة اللبنانية بيروت بين مسلحين من حزب الله وآخرين من «جمعية المشاريع الإسلامية» (الأحباش) نكء جروح الشك والخوف، مع أنها ظاهريا وقعت بين جماعتين من «معسكر» سياسي واحد على الرغم من الاختلاف المذهبي.

«جمعية المشاريع»، التي كانت خلال السنوات الماضية أكثر الفصائل السنية قربا من محور طهران – دمشق في لبنان، وفرت لنفوذ الحزب في قلب البيئة السنية البيروتية واحة ثمينة وصوت اعتراض لا يستهان به في وجه المزاج السني العام، ليس في بيروت وحدها بل في لبنان كله. وبالتالي، فبقاء «الجمعية» ضمن المعسكر الممثل لـ«المحور» الآنف الذكر مسألة في غاية الأهمية للحزب. وهذا، على الرغم من الكلام الخطير – والملطف في آن – الذي قاله السيد حسن نصر الله، أمين عام حزب الله في إحدى أحدث إطلالاته الإعلامية الأخيرة، عن أن الحزب ما عاد مضطرا لإسقاط الحكومة في الشارع.. لأنه قادر على إسقاطها داخل المؤسسات.. أي مجلس النواب ومجلس الوزراء.

الراصد العاقل يعرف جيدا أن كلام الأمين العام صحيح. فحزب الله هو اليوم «الحاكم الفعلي» للبنان، سواء تكرم وتواضع فنفى.. أو تفاخر وتباهى فأكد، كما يفعل بعض وجوه الحزب في كل مناسبة يرون أنها مواتية.

ولكن الحكم، حتى إذا كان «مشاركة جزئية» في تحمل مسؤولية السلطة – كما يكتشف التيار العوني اليوم – يرتب على أي تنظيم سياسي تبعات جدية، ليس فقط أمام جمهوره الموعود باللبن والعسل، بل أيضا أمام الوطن كله. وخلال الأسبوعين الأخيرين سمع السيد حسن نصر الله كلاما لا أحسب أنه يستسيغه من بعض «العونيين» وزراء ونوابا، جاء بعد اتهام أحد كبار قادة «التيار» بالتورط في التجسس لإسرائيل.

فكلام وزير الطاقة جبران باسيل عن «طائفية» سرقات الطاقة.. والإحجام عن دفع الفواتير، كلام معيب لا يليق بوزير يدعي أنه وزعيمه – الذي هو حموه – و«تياره» السياسي.. فوق الطائفية، بل فوق مستوى البشر. ثم طالعنا زميله النائب نعمة الله أبي نصر بانتقاد صريح لسلاح «المقاومة» في شوارع بيروت، في تحد غير مألوف لـ«وثيقة تفاهم» بين «حزب الله» والتيار العوني.

حتى الآن، اختار حزب الله كظم غيظه على حليفه التكتيكي «البرتقالي»، بعدما أهداه في الانتخابات النيابية الأخيرة ثلاثة أرباع مقاعده النيابية وفرضه شريكا في الحكومة الحالية، لأن مهمة «التيار» في استراتيجية الحزب لم تنته بعد. لكن، مخطئ من يتصور أن الحزب ساذج لدرجة أنه لا يدري ما يفعله تكتيكيا.

أيضا، بعد أحداث «الأحباش» في الأسبوع الماضي، خرجت عبارة صريحة عن مسؤول كبير في الحزب هو السيد محمد رعد، رئيس كتلته البرلمانية، الذي قال إن «حادثة برج أبو حيدر كشفت سيناريوهات وبروفات، والله أراد على ما يبدو أن ينبه الناس جميعا»، غير أن الحزب فضل لاحقا التحفظ والامتناع عن الخوض في شروح أو سجالات حول «السيناريوهات» و«البروفات».. ومن يقف خلفها. وهنا أيضا دليل على إدراك الحزب حاجته إلى تحاشي استعداء من يستطيع تحييده.. وكسب من يمكنه كسبه من المحايدين.

ومع أن تماهي الحزب مع إيران ما عاد بحاجة إلى دليل، فإن بين اللبنانيين اتجاها يأمل في ظهور عقول ضمن صفوف الحزب قادرة على وعي ما بات يسمى اليوم بـ«فائض القوة» لديه.. وما يثيره من مخاوف لباقي الشركاء في الوطن.

إن المطالبة بـ«بيروت.. منزوعة السلاح» مطلب مفهوم ومنطقي لمدينة هي عاصمة حكومية ومالية وخدماتية. فبيروت، ومناطق كثيرة غيرها في لبنان، ليست مناطق مواجهة حدودية مباشرة.. مع أن هذا بالضبط ما تسعى إليه إسرائيل.

وبالتالي، لا يجوز أن يفرض عليها أن تكون «هانوي العرب»، أو «طهرانهم ونطنزهم»، من دون تفاهم وطني عريض على أن يكون لبنان كله في «حالة حرب». وعندها، يصبح من الطبيعي نشوء «مجتمع حرب» و«اقتصاد حرب».

ثم، في حالة كهذه لا بد من عمق استراتيجي. ففي «حرب فيتنام»، مثلا، كان هناك عمق لفيتنام الجنوبية اسمه فيتنام الشمالية، ومن خلفها الصين، وبجوارها لاوس وكمبوديا. وهذا وضع يختلف عن وضع حالة حرب معلنة في لبنان، بينما معظم المحيطين به يقولون إن «السلام.. خيار استراتيجي»!