السلاح.. أم الكهرباء؟

TT

أغسطس (آب) شهر الحرارة والاصطياف.. وفي بعض الأحيان المشكلات، وقد عاش لبنان فيه على إيقاع مشكلتين تعكسان وجهين لهموم وحياة الناس هناك: الأولى تمثلت في الاشتباك الذي اندلع فجأة بقذائف صاروخية ورشاشات بين حزب الله وجماعة «الأحباش»، المفترض أنها حليفة له، بسبب خلاف على موقف سيارة. والمشكلة الثانية هي انقطاع الكهرباء الذي عانته عدة مناطق لبنانية طوال الشهر، وأدى إلى احتجاجات وقطع طرق وصدامات مع الأمن أسفرت عن وقوع جرحى، وأخذت في بعض الأحيان بعدا طائفيا.

وتطورت المشكلة الأولى، التي اعتبرها الجانبان المتقاتلان حادثة فردية بصرف النظر عن القتلى والحرق والدمار، إلى جدل أكبر يتعلق بالدعوة التي أطلقتها قوى سياسية إلى بيروت خالية من السلاح، ورفض حزب الله لها، إذ قال نوابه ومسؤولون فيه إن سلاح المقاومة بامتداد لبنان. وتساءل أحدهم قائلا: هل تريدون مناطق مثل إمارة موناكو للسياحة والاصطياف والقمار وأخرى للحرب؟

ومع التسليم بأن اشتباك برج أبي حيدر، كما تفيد الشواهد، هو بسبب خلاف شخصي ارتفعت فيه درجة حرارة الأعصاب، لكن دلائله من حيث انتشار عشرات المسلحين فجأة وطبيعة الأسلحة التي استخدمت في الاقتتال وسط أحياء سكنية ووسط عاصمة ارتفعت أسهمها كثيرا مؤخرا على خريطة السياحة الدولية، تعزز حجة الداعين إلى نزع سلاح بيروت.

وهناك حقيقة معروفة لا يستطيع أحد إنكارها وهي أن انتشار السلاح بين أيدي الناس في ميليشيا غير نظامية أو حتى نظامية لا بد أن يخلق حالة فوضى، وأن يلجأ البعض للسلاح لتحقيق أهداف شخصية أو حزبية وسياسية. أما حجة المقاومة فهي غطاء سياسي، وهناك تجارب سابقة أبرزها نزول سيطرة مسلحي حزب الله على بيروت قبل اتفاق الدوحة.

لذلك، لا توجد دول حريصة على سيادتها أمام العالم الخارجي وأمام مواطنيها، تسمح بوجود السلاح في يد غير أمنها وجيشها. فهذا جزء أساسي من العقد الاجتماعي لسلامة المجتمع والدولة، والتنازل عن ذلك يفتح الباب لأطراف خارجية للتدخل، والأهم من ذلك أن الدولة كهيبة وسلطة تكون صغيرة في عين مواطنيها.

هناك وضع خاص في لبنان، وجميع الأطراف السياسية تعترف بذلك. لذا، حتى الذين يعارضون وجود السلاح خارج يد الدولة اكتفوا بنزع سلاح العاصمة من دون الحديث عن بقية أجزاء البلد، وهو مطلب يبدو منطقيا. فما الداعي لوجود سلاح مع جماعات وميليشيات في قلب مناطق سكنية ووسط مدنيين وسكان عاديين إلا إذا كان هذا السلاح جزءا من العملية السياسية الداخلية، وهذه هي حقيقة الأمر التي يعرفها الجميع، ويتفادون طرحها خوفا من تفجير مشكلات.

المفارقة أنه بينما تنشغل الأطراف بالحديث عن السلاح، فإن قضية الكهرباء، وهي مطلب حياتي وتمس حياة الناس وتؤثر على دورة الاقتصاد المحلي، تأتي في مرتبة أقل أهمية في الاهتمامات وأجندة الأعمال، ويستغلها البعض سياسيا ضد خصومه، بينما الحل هو استثمارات وأموال واستقرار وهدوء حتى تبنى محطات، أو رفع شعار: بدلا من شراء السلاح اشتروا كهرباء!