أوباما بحاجة إلى إعادة تعلم فن السياسة

TT

يؤكد خطاب الرئيس أوباما إلى الأمة بشأن العراق الأسبوع الحالي على معاناة رئاسته ومشكلتها السياسية الأساسية. وبالنظر إليها من الداخل، تعد الإدارة الحالية ناجحة نجاحا مذهلا؛ لقد حافظ أوباما على وعوده الأساسية، وبإمكانه أن يحظى بالاستحسان بشأن الإنجازات التي استعصت على أسلافه الديمقراطيين.

لقد تعهد بسحب جميع القوات القتالية من العراق بنهاية الشهر الحالي، فقد أنجز هذا الأمر. وقد صادق الكونغرس الأميركي على تشريع الرعاية الصحية الشاملة، وعلى إصلاح جذري لتشريعات النظام المالي، ونجح إنقاذه لصناعة السيارات الأميركية، مما أحبط التوقعات بأنه سيدير «جنرال موتورز» و«كرايسلر» وكأنهما أذرع آلة الحزب الديمقراطي في شيكاغو. هناك الكثير من الإجراءات التشريعية والإدارية التي كانت ستصبح أكثر أهمية، في الظروف الطبيعية، إذا لم تكن هذه الأوقات أوقاتا استثنائية، وعصيبة. ومع ذلك لا تفسر الطبيعة الصعبة للوقت الحالي جميع جهود الرئيس. صحيح أن إنجازاته سيكون له آثار مهمة وطويلة المدى، حتى إذا لم تقضِ على القلق الرئيسي في البلاد، وهو استمرار التباطؤ الاقتصادي. بيد أن أوباما وحزبه في وضع صعب نظرا لأن الرئيس اختار أن لا يقحم البلاد في حوار موسع بشأن ما يربط جميع إنجازاته، أو السبب وراء موقفه إزاء الحكومة أكثر أهمية من الهجمات العشوائية للمحافظين على كل شيء قد تفعله واشنطن لتحسين جودة الحياة في البلاد.

وكانت هناك لحظة كشف في مطلع شهر أغسطس (آب) عندما أخبر أوباما الحاضرين في حفل لجمع التبرعات في تكساس: «لقد قضينا الشهور العشرين الماضية في الحكم، وقد قضوا الشهور العشرين الماضية في المناورات السياسية». وبالإشارة إلى الانتخابات الوشيكة، أضاف: «حسنا، نستطيع القيام بمناورات سياسية لثلاثة أشهر. لقد نسوا أنني أعرف كيف أخوض السياسة بصورة جيدة».

ولوحظ خطأ أوباما في هذه الإشارة التي تنطوي على ازدراء لـ«السياسة». في أي بلد ديمقراطي، من المستحيل فصل الحكم عن «السياسة»، ولا تقل «المناورات السياسية» عن الجهد الدائر لإقناع المواطنين الأحرار بمزايا مجموعة من الأفكار والسياسات والقرارات. يشعر الناخبون بالارتياح تجاه السياسيين الذين يضعون ما يقومون به في سياق مقنع. ويستطيع المواطنون تحمل الانتكاسات ما داموا يعتقدون أن الاتجاه العام لنهج الحكومة صائب.

وكان فرانكلين دي روزفلت عبقريا في تقديم مثل هذه التطمينات، وهو السبب وراء أن الأحاديث غير الرسمية له تعد جوهر الأسطورة السياسية. ولم يوقف رونالد ريغان قط الحملات الداعمة لرؤيته المحافظة، لأنه كان عازما على ترك حركة محافظة ناجحة. وغير كل من روزفلت وريغان الافتراضات الفلسفية الكامنة في البلاد.

وعلى الرغم من دخوله من حين إلى آخر في هذا العالم، خلق أوباما الانطباع بأنه يتخذ قرارا في بعض الأوقات من دون الاهتمام بالوضع الذي يريد أن تكون عليه البلاد في المدى الطويل.

ويكون هو وحزبه في كثير من الأحيان في وضع دفاعي عندما يتعلق الأمر بالقول إنهم يعتقدون في الحقيقة أن الحكومة فائدة إيجابية، وأن الكثير من عدم المساواة الاقتصادية يعد اختلالا وغير عادل، وأن الرأسمالية لم تنجح قط من دون تشريع وجرعة قوية من التأمينات الاجتماعية. لم يعودوا يجرؤون على الحديث بشأن المؤسسة العامة، وهي العبارة التي ذكرني بها صديقي كريس ماثيوز في الآونة الأخيرة، والواضحة في جامعات الولايات لدينا، ومدارسنا العامة، وأنظمة الطرق والنقل، وفي الأبحاث والتنمية التي تمولها الحكومة في مجالات لا يكون فيها أرباح فورية يمكن تحقيقها.

أعرف أن المكتب الصحافي لأوباما يستطيع أن يرسل إلى خطابات قام فيها ببعض هذه النقاط، بيد أن جهود الرئيس الرامية إلى وضع أساس منطقي وفلسفة متسقة كانت عشوائية. لقد خلق فراغا، ملأته الاتهامات المتهورة لغلين بيك، وخيبة أمل التقدميين الذين يؤكدون على ما لم يفعله، وعبارة «الحكومة المنهكة هي دوما المشكلة» التي يطلقها خصومه المحافظون. لذا أعطى نفسه وحلفاءه الديمقراطيين دفاعات ضعيفة ضد موجة من الكآبة الاقتصادية.

لقد فات الأوان لتحويل انتخابات التجديد النصفي إلى نصر للإدارة، لكن الوقت لا يزال سانحا لإنقاذ الأغلبية البرلمانية لحزبه. ونظرا للتوقعات الكئيبة للحزب الديمقراطي، سيتم تصنيف ذلك الآن على أنه نصر، لكن القيام بذلك سيتطلب من أوباما التفكير مجددا بشأن ماذا تعني «المناورات السياسية» في الحقيقة، لبدء معارك أكثر نظاما مع خصومه، ولتخطيط إلى أين يحاول تحريك الدولة، من دون مواربة أو اعتذار. من السيئ للغاية أنه لم يبدأ مبكرا.

* خدمة «واشنطن بوست»