ذكرى الخداع الجميل

TT

يتذكر الناس الأميرة ديانا، كلٌ على هواه. الأكثرية الساحقة لم تعد تتذكرها على الإطلاق. لقد وجدت بديلا لسلواها في عارضة إيطالية صارت سيدة فرنسا الأولى. أو في حكايات باريس هيلتون. الأحياء لا يطيقون انتظار الموتى طويلا. الذي أتذكره أنا، من جنازة الأميرة ديانا ذلك النهار، أنني كتبت بأن هذه الملايين سوف تعود إلى أسرَتها وتنسى. والبعض سوف يأسف على ثمن باقات الزهر التي نثرها أمام حديقة قصر كنزنغتون. ديانا لم تكن قضية اخترعها الملايين. استخدمها كل فرد كدرع في حربه الشخصية. وأوهم الشباب أنفسهم بأنها الحزب الذي سيرفعون رايته في السير نحو اللاشيء. نحو الفرح الكاذب والتمرد السطحي. استدرّت العطف فتعاطفوا معها. جعلت من صورتها وابتسامتها صناعة يومية لها، وخبزا يوميا لمصوري الأحداث السطحية وصحفها. عندما قضت ديانا في حادث سير إلى جانب عماد الفايد، كان حزن الصحافة قدر حزن الأهل. فمن أين ستأتي بأميرة تستدعي مراسل «بي بي سي» لتخبره أن والدها قدم لها الشيكولاته مواسيا عندما علم بهجر عشيقها لها؟ أنب العالم أجمع بيل كلينتون بسبب علاقة عابرة مع «متدربة» في البيت الأبيض، فيما مشى فرحا خلف ديانا في علاقاتها المتنقلة. ولم يكن الجميع يتمنون لها العودة إلى زوجها، بل أن تتصالح مع عشاقها وسائسي الخيول. كانت جنازتها مشهدا تاريخيا من الدموع واللطم والأكاليل. مشكلة ديانا، التي كانت أول من أدركها، أنها كانت لا شيء. لا فنانة مسرح كبرى ولا نجمة سينمائية كبرى ولا عالمة ولا شاعرة ولا شيء. معلمة روضة خطبها الأمير تشارلز فحولها الإعلام إلى سندريلا. طقطوقة بسيطة حولها الإعلام إلى ملحمة. امرأة عادية الملامح عادية الجمال عادية المال، سكنت تحت الضوء فلم يعد أي شيء عاديا. وعندما قرر صاحب شهرتها الانفصال قررت أن تعيد اختراع نفسها في عمل روائي من النوع الذي تحبه ربات البيوت وجلساء المقاهي.

جعلت من نفسها ضحية، ليس لزواج فاشل، بل لقصر باكنغهام، ليس للملكة بل للنظام الملكي. صوّرت تردي الزواج من تشارلز على أنه نزاع أجيال مع والده، دوق أدنبره. صورت أهل القصر قساة بينما هي عاطفية إلى درجة تقبيل المصابين بالبرص. وفي النهاية رأت محمد الفايد يقارع الحكومة البريطانية من أجل الجنسية فصادقت ابنه وسوف تمنحه علاقة الأخوة مع ملك بريطانيا المقبل.

كانت ديانا قصة صحافية مثيرة، عرفت كيف تستغل هموم الصحف الصغيرة وعرفت الصحافة كيف تستغل همومها الكبيرة. تبادلتا المنافع والخداع. وبعد قليل لم يعد أحد يرسل الأكاليل. اكتشف الملايين أنهم خُدعوا أيضا.