سموه الجمال

TT

العين، قال أمرسون، هي أعظم الفنانين، والطبيعة أعظم اللوحات، لذلك نهرب دائما إليها بعيدا عن بشاعات ومقترفات الرجال. لكل فصل لوحاته وألوانه. النجوم تبرق مجانا في السماء. الأنهر تسري مجانا في الأرض، الزهور تنبت مجانا في كل مكان. أسمى حاجات الإنسان، الحاجة إلى الجمال، تقدمها له الطبيعة، قال أمرسون. الأغارقة القدماء سموا العالم «الجمال». كل شيء من حولنا جمال: السماء والجبال والكثبان والمدى والغروب والشفق وشجرة الصبار. والعين مرصد الجمال بين الحواس، لولاها لبدا الجبل حصاة. أو لم يبد شيئا. ولولاها لذهبت روعة القمر سدى. كيفما ذهبنا تنقلنا في لوحات الأرض وروعات السماء. توضب لنا النجوم جميعا بذهبها وألقها، في لوحة صغيرة واحدة. تبحث معنا عن عبقريات الصيف وتعثر لنا على بقايا الجمال في أحزان الخريف وتظل تبحث لنا عن نور في تلبد الشتاء.

من أجل الانصراف عن العنف والكره والسطوة في عالم الرجال، لا مفر سوى الطبيعة. حتى وضعت قانونها وارتضته وخضعت له. وضع الرجل قانونه وطفق يدوس عليه ويطعنه بالحراب وباسمه يوسع السجون. للضمير في دماغ الحيوان حيز صغير، ضئيل، به تحرص الهرة على جرائها، وتدافع الطيور عن أعشاشها، وتكتفي السباع بحاجاتها، وتغافل الثعالب نواطير الكروم من أجل حفنة من العنب. في دماغ الرجل جناح واسع للضمير، لا يصغي إليه.. وعبثا تدق أجراسه.

الطبيعة ملجأ. زرع قاض صديق على شرفة منزله، شجرة ليمون، ونبتة طماطم ونبتة باذنجان. شجرة الليمون تملأ ثلاجته والطماطم تملأ صحونه والباذنجان بالفرن. وباقي الشرفة زهور. في متر واحد من التراب تستطيع أن تزرع عشرين نوعا من الأشياء. عالم الرجال مزروع بالبنادق والرشاشات والحرائق وسفالة الحقد. والعين أعظم الرسامين.

ما أكتبه الآن كتبه الألوف من قبل. لكن كلا منا يشعر أن عليه أن يسطر شيئا من الوفاء لهذه المزينات الباهرة: النجوم، والقمر بدرا، والطيور، والشفق، والشروق، والسكينة. وما أقبح عالم الرجال.

تنير النجوم الليل فوق جبال لبنان وفوق صحارى مصر وفوق غابات الأمازون. وترسل الطبيعة أشكال الجمال وألوانه صورا ولوحات وتقاسيم وتنويعات. وتسهر على قمرها شعوب الأرض وتغني. الطبيعة تتواطأ مع النفس، من أجل أن تحررنا من أثقالنا، قال أمرسون. في الطبيعة تكمن الحرية، بالإذن من «الكتاب الأخضر». وفيها يكمن الجمال. العالم هو الجمال، قال الأغارقة. وجعلوا للجمال إلهة خاصة سموها «فينوس». وهي لا شيء. أحلم بسرقة نجمة واحدة في آخر صف من نجوم الليلة، البارحة.