إسرائيل تتخوف من انقلاب فلسطيني على اتفاقات أبو مازن في المستقبل

TT

الأحد الماضي، أجرت صحيفة «الأوبزرفر» البريطانية حديثا مطولا مع الكاتب الإسرائيلي الشهير دايفيد غروسمان حيث قال إن الحل الوحيد للقضية الفلسطينية هو القائم على دولتين، وإن نتنياهو هو الوحيد القادر على تحقيق ذلك لأن لديه مصداقية داخل إسرائيل، لكن المشكلة أن نتنياهو لا يثق إطلاقا بالفلسطينيين. ويرد على ذلك، مصدر أميركي مطلع بقوله إن نتنياهو أبلغ أخيرا المصريين بأنه يريد السلام ووزير دفاعه إيهود باراك يدعمه في ذلك، لكنه يريد سلاما يوفر الأمن الدائم لإسرائيل ويريد منهم أن يقبلوا بأن إسرائيل هي دولة لليهود.

في زيارته الأخيرة إلى واشنطن جرى لقاء مغلق بين نتنياهو وبعض المتخصصين والمهتمين الأميركيين بعملية السلام، سأله أحدهم: تعرف ما يريده محمود عباس (رئيس السلطة الفلسطينية) وهو يعرف ما تريده، هل تستطيع التوصل إلى اتفاق خلال سنة؟ كان جواب نتنياهو: نعم، نعم..

وسأله آخر: ماذا ستفعل بالمستوطنات هل ستفككها؟ أجاب: بعد أن أفاوض على الصفقة سأعرضها على الشعب الإسرائيلي وأظهر له منافعها.

لم يقل مسبقا إنه يريد التخلص من المستوطنات، بل يريد أولا التوصل إلى صفقة، والقول إن الفلسطينيين تخلوا عن المطالبة بكل فلسطين، واعترفوا بإسرائيل كدولة يهودية، هو بذلك يضمن السلام الأمني.

ما شعر به المجتمعون أن نتنياهو يفكر في ميراثه، إذا لم يحقق السلام مع الفلسطينيين سيأتي ذكره في التاريخ كرجل عادي من دون أي بصمات. هو يريد أن يكون مثل دايفيد بن غوريون، وإسحق رابين وميناحيم بيغن، وإذا لم يحقق السلام سيكون مثل ليفي اشكول. إنه يفكر في ميراثه، لم يعد في مقتبل العمر.

ستيفن هادلي مستشار الأمن القومي للرئيس السابق جورج دبليو بوش، قال: «كل واحد يعرف ما هو الحل، المسألة هي في كيفية الوصول إلى هناك، والكل يعتقد بأن هذه الإدارة تسير على الخط الصحيح».

الموقف الأميركي واضح: الرئيس باراك أوباما أمضى وقتا على هذه القضية مساويا للوقت الذي أمضاه على العراق وأفغانستان، وبسبب تدخله المباشر وقف بعض المسؤولين الأميركيين ضد الاستثمار في عملية السلام، لكن أوباما يعرف أن هذه المسألة مهمة للأمن القومي الأميركي، وبعد بذل الوقت والجهد وما تعرض له، أدرك أوباما أن اللحظة الآن مناسبة، إنها لحظة مواجهة الحقيقة، لأنه إذا لم تصل المفاوضات إلى شيء فإن نتنياهو سيخسر وعباس سيخسر، الاثنان توفرت لهما الآن فرصة لكتابة التاريخ.

السيناريو الآن، البدء في المفاوضات، وستكون أميركا قاسية على كل طرف، خارجي، يريد الاستفزاز، لأنها تريد للأطراف المشاركة أن تكون بناءة في نقاشاتها، لذلك سيكون بعض هذه المفاوضات بعيدا عن الأضواء.

يقول لي المصدر الأميركي، إن المفاوضات الحقيقية لن تبدأ إلا بعد انتهاء انتخابات الكونغرس النصفية في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، قبل هذا الموعد سيتكلم المتفاوضون حول الشكل، لكن المحتوى سيكون لاحقا.

يبدو أن الذي يساعد الرئيس الأميركي الآن، أن ما يهم الأميركيون هو فرص العمل وليس القضايا الخارجية، لذلك فإن المواقف التي سيتخذها في المفاوضات لن تترك أثرها على الداخل.

يأمل محدثي من الفلسطينيين الذين ضيعوا فرصا سابقة بأن يكونوا بارعين هذه المرة بمعنى ألا يغادروا القاعة لمجرد أن تقول إسرائيل لا.

أبو مازن لا يمكنه أن «يحرد»، عليهم الالتزام بالمفاوضات حتى نهاية السنة الأولى، وعليهم الإصغاء إلى النصيحة الأميركية، وإذا كانوا أذكياء عليهم أن يملكوا ما قاله زبيغنيو بريجنسكي عن الصينيين: «يجب أن يكون لديهم صبر استراتيجي في المفاوضات». على الفلسطينيين أن لا يخرجوا من قاعة المفاوضات إلا إذا قالت الولايات المتحدة إن المفاوضات فشلت. لكن تبقى مشكلتهم أنهم يحتاجون إلى محامين بارعين لمساعدتهم في المسألة المتعلقة بالأرض. إذ لدى إسرائيل أفضل المحامين وآلية حديثة جدا.

الآن، مجرد أن تبدأ المفاوضات ستحاول أميركا تسريعها ليتوصل الطرفان إلى الاتفاق والتوقيع على المعالم والإطار. وبمجرد الاتفاق حول، الحدود، والقدس، واللاجئين وهي قضايا شائكة سيأتي التطبيق والتنفيذ اللذان سيأخذان وقتا طويلا.

لكن السفير الإسرائيلي في واشنطن مايكل اورن قال إن الحدود ليست أهم من المسألة الأمنية لإسرائيل؟ يجيب محدثي: «عندما يتم التوصل إلى اتفاق ستعرف الحدود والمتطلبات الأمنية. الكل اتفق على أن الدولة الفلسطينية سيكون لديها قوات شرطة لا جيش بدبابات وطائرات. وعندما سيتدخل الأميركيون سيقولون للإسرائيليين بأنهم يستطيعون الحصول على الأمن عبر قوات أطلسية، ثم إن أبو مازن عندما كان في واشنطن أخيرا قال إنه يرحب بأن تبقى القوات الأطلسية لعشرين عاما». ويضيف: «المهم الآن الاتفاق على الإطار وحمل الإسرائيليين على التوقيع على اعترافهم بالدولة الفلسطينية بحدود معروفة وعاصمتها القدس الشرقية».

يجب أن نتذكر أن أوباما في موقف قوي، لأن الإسرائيليين معزولون في الشرق الأوسط، كان الأتراك أصدقاء لهم والآن لديهم مشكلات مع تركيا، وهناك الخطر الإيراني، لذلك يحتاج الإسرائيليون إلى أميركا وإسرائيل تحتاج أوباما.

الكل يتفق على أن اتفاق سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين سيكون هزيمة لإيران وحماس وحزب الله، وإذا لم يكن هناك اتفاق سيحدث العكس.

ويخبرني محدثي بأن المستشار الأمني لدى نتنياهو المهتم جدا بإيران ولديه تأثير على رئيس الوزراء الإسرائيلي نصحه، إذا أراد عزل إيران فإن على إسرائيل تقديم التنازلات اللازمة في المسألة الفلسطينية. لذلك إذا لم يتوصل إلى صفقة يكون كمن يساعد إيران وكل الراديكاليين.

يقول محدثي: «لكن نتنياهو لن يتحرك إلى الأمام إلا إذا اعترف الفلسطينيون بأن إسرائيل وطن للشعب اليهودي، سيكون للفلسطينيين العرب حقوقهم المدنية، ما لا يريده الإسرائيليون أن يأتي هؤلاء بعد عشرين عاما مثلا ويقولون نريد أن ننفصل ونريد دولتنا. ثم تريد إسرائيل من الفلسطينيين أن ينهوا كل مطالباتهم». أسأله: يعني إسقاط حق العودة؟ يجيب: «هذا بديهي. إسرائيل تريد اتفاقا يوفر سلاما حقيقيا مضمونا لها في الداخل والخارج، بمعنى أن لا يحدث انقلاب عسكري في الدولة الفلسطينية المقبلة ويقول الانقلابيون إنهم ينبذون كل الاتفاقات التي وقع عليها أبو مازن. نتنياهو يريد التأكد أن إسرائيل ضمنت السلام إلى الأبد».

أقول له: هذا يعني أن اللاجئين سيبقون حيث هم في الدول العربية، وأن السرعة التي تم فيها إعطاء الفلسطينيين حقوقا مدنية في لبنان، كانت تمهد لهذه المفاوضات؟ يجيب: «في كامب دايفيد الثاني جاء: أن يذهب بعض الفلسطينيين من لبنان إلى فلسطين (الضفة الغربية)، سيبقى منهم في لبنان ما بين 50 إلى 100 ألف بسبب حساسية الوضع هناك. أما الذين في بقية الدول العربية فيمكنهم العودة إلى الدولة، من لا يريد يأخذ تعويضا، قلة سيسمح لها بالعودة إلى إسرائيل، ومن ضمن الرزمة المطروحة أن على الدول العربية أن تعطي الفلسطينيين فرصا».

ويضيف: «في اللقاءات الخاصة وافق الفلسطينيون على التخلي عن مطالباتهم داخل إسرائيل، السؤال: هل سيتحملون الإعلان عن ذلك؟»

لكن، ماذا إذا أصيب أبو مازن فجأة بذبحة قلبية ورحل، يجيب: «إنها قصة أخرى، لكننا نريده أن يعيش الآن».