من أجل عيون كليوباترا كدت أفقد حياتي!

TT

انطفأ نور الأمل داخل صدري.. بعد أن حسبت أن حلم البحث عن «كليوباترا» قد توارى بسبب كثرة أعمال الحفائر والاكتشافات التي حققتها، ولا أزال، في الكثير من المواقع الأثرية في مصر، إضافة إلى مسؤوليات العمل كرئيس للآثار في مصر والعمل في مئات المشاريع الترميمية والإنشائية للمواقع الأثرية والمتاحف.. إلا أن المفاجأة كانت في تجدد العثور على مقبرة «كليوباترا»..

وكانت البداية عندما جاءت الأثرية كاثلين مارتينز من جمهورية الدومينيكان لمقابلتي تحمل ملفا أعدته، وبه من الأدلة والبراهين ما تعتقد، هي، أنها كافية لإثبات أن الملكة «كليوباترا» وحبيبها «مارك أنطوني» قد دفنا داخل معبد تابوزيريس ماجنا بمنطقة برج العرب الواقعة غرب الإسكندرية بنحو 50 كم. وقد اقتنعت بالفكرة الغريبة، خاصة لعدم وجود أي دليل على أن «كليوباترا» قد دفنت داخل مقبرتها التي أعدتها بجوار قصرها، ولا حتى بمدينة الإسكندرية كلها.

الغريب أنه لم تبحث أي بعثة أثرية من قبل عن قبر الملكة الساحرة «كليوباترا»، في حين يعتبر معبد تابوزيريس ماجنا مكانا مثاليا لدفن شخصين بقيمة وأهمية «كليوباترا» و«مارك أنطوني»، وهذا المعبد هو الأرض المقدسة التي أعدت لعبادة «أوزير» وزوجته الساحرة «إيزيس» التي فعلت المستحيل لتحمي زوجها وتعيده إلى الحياة، وربما كان «إيزيس» و«أوزير» زوجين عاشقين مثاليين يعبران عن «كليوباترا» و«مارك أنطوني».. وما في القصتين من حب وغدر وانتقام.

لقد بدأنا الحفائر منذ خمس سنوات في موقع معبد تابوزيريس ماجنا وقمت بتشكيل بعثة أثرية من حفارين مدربين بالمجلس الأعلى للآثار، وبدأنا رحلة البحث عن مقبرة الملكة «كليوباترا».. وبدأت الاكتشافات تظهر داخل المعبد، ومنها مجموعة من الأبيار يهبط بعضها بعمق يصل إلى 35 مترا أسفل الأرض، ومنها بئر عجيب نزلته إلى مسافة 40 مترا.. وقبل إدراك القاع تعطلت الماكينة وظللت بين السماء والأرض داخل البئر لمدة ساعة كاملة.. هي الأصعب في حياتي كلها، وبعد أن غادرت البئر لم أصدق نجاتي من لعنة «كليوباترا».

وكشفنا يومها عن ألواح مكتوبة وأوان فخارية نطلق عليها «ودائع أساس المعبد»، حيث كان المصريون القدماء يضعونها تيمنا قبل البدء في بناء المعبد أو المقبرة، وقد اتضح من النقوش التي عثرنا عليها داخل المعبد أن الملك «بطلميوس الثاني» هو الذي أقام هذا المعبد تخليدا للإله «أوزير» إله الموتى والعالم الآخر..

كما أننا عثرنا على رؤوس ملكية من المرمر، وأحجار أخرى تمثل «كليوباترا» أو الإلهة «إيزيس»، ولا أعرف السبب الذي يدفع بعض غير المتخصصين للقول بأن «كليوباترا» لم تكن جميلة، وأنها أيضا كانت سمراء.. وهذه تخاريف سينمائية، فالملكة التي أسرت قلبي أقوى رجلين في العالم القديم لا يمكن أن تكون قبيحة، فما من شك أنها كانت جميلة، مثيرة، ورائعة في جمالها.. وذكائها.

وإلى جانب الرؤوس الملكية وجدنا تماثيل لملوك مصنوعة من الجرانيت وبالحجم الطبيعي، ولكن من دون رؤوس، فقد حدث أن تحول المعبد إلى كنيسة بعد انتشار المسيحية، فقطعوا رؤوس التماثيل باعتبارها أصناما!

وعثرنا أيضا على الكثير من تماثيل الآلهة، مثل تلك الخاصة بـ«حربوقراط» ابن «إيزيس»، بالإضافة إلى الكثير من القطع الحجرية المنقوشة بنصوص باسم «أوزير» وتاريخ تأسيس المعبد. وأهم ما عثرنا عليه خارج المعبد هو جبانة ضخمة أغلب مقابرها منحوتة في الصخر، وتأخذ شكل مقابر العصر اليوناني، وداخلها مومياوات مغطاة بالذهب، وقد وجدنا أن كل رؤوس المومياوات تتجه ناحية الشرق، كأنما يقولون لنا في إشارة خفية إن هناك شخصية مهمة مدفونة داخل المعبد.. ومازلنا نحلم ونحفر..

www.zahihawass.com