دراما.. لا واقع!!

TT

السيد المسيح، حسن البنا والإخوان المسلمين، الملكة نازلي..

إنهم غيض من فيض الشخصيات الإشكالية في الدراما التلفزيونية الرمضانية لهذا العام.

بالطبع هذه ليست السنة الأولى التي تقدم فيها الدراما شخصيات لها موقعها ودورها سواء في التاريخ القديم أم المعاصر وليست المرة الأولى التي نسمع عن وقف عرض مسلسل أو عن دعاوى ضد مسلسل آخر أو حملات ضد ثالث. لقد بات تقليدا تقريبا أن تثار أزمات ونقاشات تتفاوت أحجامها بحسب الحساسية المثارة من العمل الفني، وهذه الحساسية ما كانت لتثار لو لم يكن لها أرضيتها في القوانين والأنظمة تماما كما لها أرضية في المزاج والرأي العام السائدين.

لا شك أن من يتابع النتاج الفني سيلحظ أن الصناعة الدرامية التلفزيونية العربية قد تطورت بشكل لافت وأن خرق دوائر الممنوعات يتكرر سنويا ولكن دائما ما تصطدم هذه الصناعة الناهضة بإشكاليات كبرى سواء لدى مقاربتها للواقع المعاصر أو لدى مراجعتها للتاريخ سواء الحديث أم القديم.

هذه الهجمة الفنية السنوية التي يتسمر أمامها الجمهور ويتفاعل معها تثير ما تثير زوابع وتعليقات لكنها في النهاية تطرح علينا حقيقة أساسية تتعلق بمشكلة التدوين في التاريخ العربي بقديمه وبأكثره حداثة، فكلاهما حافل بمسلمات وإيديولوجيات والأهم محظورات.

لا شك أن التنقيب في التاريخ أو في الواقع المعاصر والبحث في شخصيات جدلية وتقديمها على نحو درامي هو أمر إيجابي لناحية إعادة نقاش حول أدوار وحقب تم تثقيلها ومحاصرتها بمواقف وأعباء إيديولوجية شكلت رادعا دون إعادة تقديمها ومناقشتها على نحو نقدي.

التيار الغالب على صناعة الدراما العربية والتي تطورت حرفيا وتقنيا ما زال أسير مضامين عتيقة ويغلب على الأعمال قيم خطابية ماضية وهنا نقع في زجليات الحارات والنخوات والمقاومات.

في المقابل، اقتربت أعمال درامية عربية من واقع راهن لكنها وفي سياق حذرها عادت وصاغته على نحو أشعرنا بأنه غير ذلك الواقع الذي نكابده. فالإسلامي في مسلسل مصري هو كائن غريب في العائلة وليس امتدادا لسياق اجتماعي على قدر كبير من التعقيد والقوة، والمثلي تمت «نمذجته» وفق منظومة أحكام قد لا تساعد على تظهير واقعه كما هو فعلا.

جرت نمذجة من أنواع مختلفة أيضا، فاللبناني حين يكون هذا دوره يكون أقرب إلى هيفاء وهبي والفلسطيني هو الفدائي ولا شيء غيره والخليجي منمط على نحو بات ممجوجا، فيما الواقع أكرم من مخيلات كتبة المسلسلات الدرامية إذ إنه يجود على مستطلعه بما هو أكثر واقعية مما نشهد.

حتما يحتاج الإبداع إلى هامش حرية لا يزال غير متاح في بلادنا وهذا ما يجعلنا ننظر بإعجاب إلى محاولات وإنتاجات تشعر متابعها بأن لغة فنية ونقدية أخرى غير تلك السائدة باتت تظهر. إنه تفاؤل سريعا ما يذوي لدى التنقل السريع بين باقي المسلسلات التي تحاصرنا كل يوم.

diana@ asharqalawsat.com