وما نيل المطالب.. بالدعاء

TT

أسلحة إسرائيل كثيرة ومتعددة، نووية وتقليدية. ولكن الحاخام عوفاديا يوسف يعتقد أن أفتكها دعاؤه على الفلسطينيين بالزوال بحمى طاعون «يقضي عليهم جميعا»، كما يتمنى.

هذا الدعاء - التمني - الذي أطلقه بخفة، زعيم حزب «شاس»، الحاخام عوفاديا يوسف، يعكس بواقعية مشاعر اليمين الإسرائيلي، بجناحيه الديني والقومي، حيال أي حل للنزاع الفلسطيني - الإسرائيلي.

طبعا لم يكن منتظرا من حكومة بنيامين نتنياهو – التي تضم ممثلين لحزب الحاخام الغيور على سلامة «شعب الله المختار» دون غيره من عباد الله الصالحين - أن تستنكر أو حتى تأسف لدعائه، فاكتفت بالإشارة إلى أنه لا يعبر عن وجهة نظر الحكومة (العلنية على الأقل). وعليه تبرعت واشنطن بإبداء أسفها لهذه التصريحات التي «لا تخدم مساعي السلام».

رغم ذلك، فلا بد أن يسجل للحاخام يوسف ارتفاع حرارة «تقواه» مع تقدمه في العمر. فخلافا لدعوته، عام 2001، لقصف الفلسطينيين بالصواريخ، بغية «إبادتهم» فضل هذه المرة ألا يستعين على الفلسطينيين بسلاح مادي.. بل بالله والطاعون.

إذا كان هذا هو الشعور السائد في أوساط اليمين الديني الإسرائيلي حيال الفلسطينيين عشية استئناف المفاوضات المباشرة، فكيف يمكن أن يكون شعور اليمين «القومي» تجاههم؟ واستطرادا، هل يمكن لتشكيلة حكومية تلملم كل أطياف اليمين الإسرائيلي المعادي للفلسطينيين، دينيا وعرقيا و«قوميا»، أن تقبل بسلام يستوجب تقديم «تنازلات» للفلسطينيين؟

إذا كان ثمة عبرة من تصريح الحاخام الجليل، فقد يكون «إسماع» واشنطن حقيقة المشاعر الإسرائيلية الدفينة حيال التسوية السلمية، وبالتالي حثها على لعب دور «الراعي» المباشر لمفاوضات يبني عليها الرئيس الأميركي، باراك أوباما، آمالا «تاريخية».

والمشكلة أن تطلعات أوباما لدور تاريخي لا تخلو من «مطبات» سياسية، فلا هو ولا نتنياهو قادران على تجاوز الضغوط المنتظرة على ساحتيهما الداخلية: فأوباما يقترب من موعد انتخابات منتصف الولاية في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، ونتنياهو من الموعد الذي حدده للعودة عن التجميد الجزئي للبناء الاستيطاني في الأراضي الفلسطينية المحتلة - 26 سبتمبر (أيلول) الحالي.

والمفارقة اللافتة أن هذين الاستحقاقين يصبان، في نهاية المطاف، في خانة اليمين الإسرائيلي، فاقتراب موعد انتخابات الكونغرس (الحامية الوطيس كما يبدو) سيدفع الإدارة الديمقراطية إلى «مداراة» اللوبي الصهيوني في واشنطن. واقتراب موعد نهاية التجميد النسبي للاستيطان، على خلفية تأكيد نتنياهو أنه لم يعط الرئيس الأميركي وعدا بتمديده، يمنح رئيس الحكومة الإسرائيلية ورقة ضغط لابتزاز المفاوض الفلسطيني، وربما التهرب من استحقاق السلام بأكمله.

ولكن إذا كان انهيار مفاوضات السلام يعزز موقع نتنياهو في الشارع اليميني الإسرائيلي، فإن تبعاته لن تكون في صالح أوباما خاصة في سنة يواجه فيها تراجع التأييد الشعبي له ويمر فيها الأميركيون بأوضاع اقتصادية غير مريحة.

ومع ذلك، فما زال في حوزة أوباما سلاح أمضى من دعاء الحاخام يوسف، في حمل إسرائيل على القبول بالتسوية.. هذا إن أحسن استعماله. يكفيه لتحقيق ذلك أن يربط مطلب إسرائيل التصدي للخطر النووي الإيراني بتسوية النزاع الفلسطيني، وذلك من منطلق الحاجة الواقعية إلى «دعم» عربي لمواجهة توسع النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط.

باختصار، إذا لوح أوباما، في التوقيت المناسب، بمعادلة «حل الدولتين الديمقراطيتين مقابل حل المشكلة النووية الإيرانية».. سيصعب على اليمين الإسرائيلي رفض السلام بهذا الثمن المغري.