ندين لقواتنا بسياسة خروج!

TT

لقي 14 جنديا أميركيا على الأقل مصرعهم في أفغانستان خلال الأيام القليلة الماضية.

وعلمنا السبت أن من يطلق عليه لقب «شريكنا» في هذه الحرب المهملة، حميد كرزاي، فصل محققا رفيع المستوى أصر على مكافحة الفساد المستشري في مختلف أرجاء البلاد كالمرض العضال.وأخبرتنا مجلة «تايم» أن جنودا منهكين يتملكهم القنوط واليأس يسعون للحصول على مساعدة طبية للتغلب على مشكلاتهم العصبية بمعدل يفوق قدرة المهنيين المتوافرين. في الواقع، إن ما نفعله مع هؤلاء الجنود الذين ظلوا يخدمون في جولة بعد أخرى بأفغانستان والعراق، يفتقر إلى مراعاة الضمير!

من جانبها، وصفت «تايم» مشكلة الصحة العصبية والذهنية باعتبارها «الجبهة الثالثة للجيش الأميركي». وكتب مراسلها مارك تومبسون يقول: «في الوقت الذي تخوض فيه القوات الأميركية حربين، يشن المهنيون المعنيون بالصحة الذهنية حربا لإنقاذ سلامة الجنود العقلية لدى عودتهم إلى الوطن، وتصل كلفتها إلى مليارات الدولارات تستمر لفترة طويلة بعد انتهاء القتال في بغداد وكابل».

إلى جانب الإرهاق البدني الهائل، فإن التكلفة الاقتصادية النهائية لهاتين الحربين، حسبما أوضح العالم جوزيف ستيغليتز الحائز جائزة نوبل وزميلته ليندا بيلمز، ستتجاوز 3 تريليونات دولار.

في الحقيقة، يصيبني صداع عندما أسمع أنصار هذه الحرب التي تبدو بلا نهاية يشتكون من العجز في الميزانية الفيدرالية. إنهم أشبه بمشعلي حرائق يشكون من رائحة الدخان!

ولا تبدو في الأفق بوادر توحي بالأمل بشأن الحرب في أفغانستان التي استمرت قرابة العقد. وتكشف استطلاعات الرأي، عدم تأييد غالبية الأميركيين لها. ومع ذلك، لا نزال نمضي قدما في القتال ونلقي بجنودنا في هذه الآلة الفتاكة عاما مأساويا بعد عام، لكن لماذا؟! ومن ناحيته، قال جنرال ديفيد بترايوس، قائد القوات الأميركية وقوات حلف «الناتو» في أفغانستان، خلال مقابلة أجرتها معه محطة «بي بي سي» في عطلة نهاية الأسبوع: «من الواضح أن الفصول الأخيرة من هذه المهمة لم تكتب بعد». وبدا من نبرة حديثه أن هذه الفصول لن تكتب في أي وقت قريب!

وفي إشارة إلى تأكيد الرئيس أوباما على أن القوات الأميركية ستبدأ في الانسحاب من أفغانستان بدءا من يوليو القادم، قال جنرال بترايوس: «في هذا الموعد تبدأ عملية، لا أكثر ولا أقل. هذا ليس موعدا عندما تبدأ حالة من النزوح الجماعي الأميركي، ونبدأ في التطلع نحو الخروج وإطفاء الأنوار قبل مغادرتنا الغرفة».

في الواقع، أنصت الكثير من الأميركيين الذين للرئيس ظنوا بالفعل أن هذا الموعد هو موعد النزوح الجماعي للقوات. لذا، يبدو وكأن الجنرال استمع إلى تصريح مختلف تماما!

في الحقيقة، من غير الواضح كيف يشعر الرئيس أوباما فعليا حيال المسؤوليات الجسام التي تنطوي عليها عملية خوض الحرب، وهذا الأمر مشكلة في حد ذاته. يذكر أن الصحافي بيتر بيكر، من «نيويورك تايمز»، كتب مقالا مشوقا ومثيرا للقلق في الكثير من جوانبه حول منحى التعلم المرتفع لأوباما، الذي يفتقر إلى خلفية عسكرية، ومع ذلك اضطر إلى التفاوض كقائد أعلى للقوات في وقت الحرب! وفي اقتباسه من حديث أحد مستشاري الرئيس، لم يكشف عن هويته، كتب بيكر أن أوباما ينظر إلى الحربين الدائرتين في أفغانستان والعراق باعتبارهما «مشكلتين ينبغي إدارتهما» بينما يمضي هو في مهمته الرامية إلى إحداث تحول في الأمة الأميركية. من ناحيته، قال وزير الدفاع روبرت غيتس: «إن أمامه الكثير من القضايا بالغة الأهمية، وأعتقد أنه لا يرغب في خلق انطباع بأنه مشغول للغاية بهاتين الحربين إلى درجة تشغله عن تناول القضايا الداخلية التي تحتل الأولوية الأولى في أذهان الناس». بيد أن الحروب ليست مشكلات في حاجة إلى تناولها، وهي عبارة توحي بأن الحروب ستبقى جزءا لا يتجزأ من حياتنا. إنها كوارث يتعين وضع نهاية لها بأسرع وقت ممكن. إن الحروب تستهلك الأرواح بالآلاف (كما هو الحال في العراق)، وأحيانا تتجاوزها إلى الملايين، مثلما هو الحال مع الحرب العالمية الثانية. ينبغي أن يكون السلام هو الهدف من وراء خوض أي حرب، وليس القتل المستمر إلى الأبد. إن الحرب تشن بهدف إحراز النصر فيها - إذا كانت هناك حاجة تدعو إلى شنها من الأساس - وليس الاستمرار فيها إلى ما لا نهاية.

من بين الأسباب وراء وجودنا في هذه الحالة من الحرب الدائمة، أن قليلا فقط من الأميركيين يجابهون أي مخاطر شخصية بسبب الحرب في أفغانستان والعراق، ذلك أنه ليست هناك مصاعب مالية مباشرة ناجمة عن الحرب. وعليه، نستمر في شحن المزيد من أطفال الآخرين إلى ميدان القتال كما لو كانوا سلعا، مثل الفحم أو القمح، دونما اهتمام حقيقي بالثمن البشع الذي يتكبده الكثيرون، بدنيا ونفسيا!

هذا الأمر ليس مأساويا فحسب، وإنما يفتقر أيضا بعمق إلى الاحترام. إنهم رجال ونساء حقيقيون، يتميزون بالشجاعة والصبر، نرسلهم إلى ميادين القتال، وندين لهم بالاهتمام والرعاية. وقبل كل شيء، ندين لهم بوضع نهاية لحربين استمرتا لفترة طويلة على نحو مفرط.

* خدمة «نيويورك تايمز»