مائة عام من الحروب مع إسرائيل

TT

يبدو النزاع كأنه ابن البارحة لكنه نزاع قرن بأكمله كما وصفه بشكل صحيح بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، في كلمته التي شارك بها في افتتاح المفاوضات مع الفلسطينيين. قال: حان الوقت لأبناء النبي إبراهيم، اليهود والعرب، أن ينهوا مائة عام من الحروب. وحروب أبناء العم بدأت مع الهجرات اليهودية الاستيطانية إلى فلسطين قبل الحرب العالمية الثانية بثلاثة عقود.

مائة عام يفترض أنها كافية لأن يدرك الجميع أنه لن يكون فيها منتصر أبدا. إسرائيل التي كانت تحلم بدولة يهودية من النهر إلى البحر، من العراق إلى مصر، حوصرت في أقل من ربع الأرض الموعودة. ورغم كل انتصاراتها وماكينتها العسكرية الهائلة فإن إسرائيل هي اليوم من أصغر دول المنطقة مساحة، مساحتها تقارب مساحة الكويت. إسرائيل اليوم حقيقة موجودة لكنها ليست الدولة اليهودية الكاملة، ولا الدولة الآمنة، شعبها الذي هاجر موعودا بأرض العسل واللبن يعيش في كابوس الحرب، بيوته مبنية فوق الملاجئ، وأرضه محاصرة إلا من الغرب لا يستطيع أن يطير بطائراته ولا حتى أن يلعب كرة القدم إلا مسافرا إلى القارة الأوروبية. إسرائيل بعد مائة عام من الانتصارات العسكرية هي في الحقيقة دولة مهزومة.

على الرغم من التوسع والتهويد والاستيطان والقمع فشل الإسرائيليون على مدى 40 عاما في استيعاب الضفة الغربية وغزة التي ظنوها لقمة سائغة بعد حرب 67. لكن الحلم تبدد لأن الفلسطينيين، بإصرارهم على البقاء وصبرهم على آلام الحصار والتهجير والإحباطات المتكررة، حافظوا على الضفة وغزة، وخسر الإسرائيليون المعركة رغم استمرار الاستيطان الذي يعيش فقط بالأسلاك الشائكة والكلاب البوليسية والبنادق المحمولة على الأكتاف وسط خوف مستمر.

وإذا كان التفوق الإسرائيلي في حقيقته هزيمة مستمرة، فإن الهزيمة على الجانب العربي مرض مستوطن، ليس بسبب التخلف الشامل بل أيضا لعدم صدق النية في نجدة إخوانهم الفلسطينيين، وانغماسهم الدائم في الصراعات الجانبية. على مر العقود والحروب اكتشف كثيرون أن الصراع مع إسرائيل حالة إدمان تحرض على الاقتتال بين الجميع، كل يحارب كلا، وكلها تتم تحت لافتة فلسطين، حيث لا ناقة للفلسطينيين فيها ولا جمل، مجرد استغلال لطموحات زعامة أو طمع في المزيد من الأراضي والموارد.

كل عربي، لا فقط كل فلسطيني، معني بما يحدث في مفاوضات واشنطن، لذا من الطبيعي أن نختلف، لأن بعضنا يجلس على مائدة أحمدي نجاد وبعضنا على مائدة أبو مازن، والبقية من العرب يفضل الاختباء في انتظار النتيجة. لا أحد من المعارضين للسلام المخلصين يملك حلا بديلا، وموقفه يقوم على الرفض لأجل الرفض من دون أن يبالي بمعاناة ثلاثة ملايين فلسطيني مشرد ومعاناة ثلاثة ملايين فلسطيني آخر معلق. وجهة نظر البعض، أنه:

لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى

حتى يراق على جوانبه الدم

من دون اعتبار دم من الذي يسفح. أما المنضمون إلى فكرة الحل السلمي فإنهم واقعيون يعرفون أن الخيارات الأخرى قد تحقق نفس النتيجة لكن ربما بعد خمسين عاما أو مائة عام أخرى.

كان باستطاعة الإسرائيليين والعرب أن يوفروا الكثير في درب الآلام، في السنوات التي أعقبت اتفاق كامب ديفيد، ويقبلوا بالحد الأدنى من الصلح العادل، الذي يضمن نهاية الفوضى في المنطقة. وبإمكان أي متشكك أن ينظر إلى الوراء ويسأل نفسه هل حقق الرفض شيئا خلال السنوات الأربعين الماضية؟ عمليا لا. فشل العرب والإسرائيليون في كل أهدافهم المعلنة. فشل العرب في استعادة أي من الأراضي المحتلة بقوة السلاح، وفشل الإسرائيليون في الاستيلاء الدائم.

[email protected]