تحالف الأعداء والشيطنة المتبادلة

TT

عجيب أمر الأعداء الأيديولوجيين. فبقدر شدة العداوة بينهم هم أقرب الناس لبعضهم البعض. حقدهم وبغضهم وكراهيتهم تتغذى من حبل سري واحد يربطهم ويغذي جذوة كينونة وجودهم فهم الأضداد الذين يصنعون بعضهم.

دعيت قبل أيام قليلة للمشاركة في برنامج تلفزيوني حول قصة «أزمة المسجد» الذي يزمع المسلمون بناءه قريبا من موقع هجمات 11 سبتمبر في مدينة نيويورك، ولكي أبدي رأيي في الحملة التي تشنها المجموعات المحافظة والمتطرفة على مشروع المسجد باعتبار أرض موقع الهجوم الإرهابي أرضا تحظى باحترام خاص وليس من اللائق أن يشيد المسلمون الذين ينتمون لنفس ديانة الإرهابيين مسجدا في منطقة هاجمها ودمرها إخوانهم في الديانة وقتلوا فيها 3000 ضحية.

ويمكن للمرء أن يدخل في دوامة الجدل حول تعريف المبنى وهل هو مسجد أم مركز إسلامي؟

وهل هو قريب جدا من الموقع أم لا؟ وهل من حق المسلمين دستوريا أن يمارسوا حقهم في البناء حيث يشاءون؟ وهل يجب أن يراعوا شعور عائلات الضحايا وينقلوا المبنى إلى نقطة أبعد؟

وما هي المسافة التي يمكن أن تكون مقبولة للمعارضين، شارعان آخران أم أربعة أم ستة أم خارج منطقة مانهاتن؟

وهل المعارضة هي معارضة لقرب المبنى، أم للمبنى أم لديانة من يريدون بناء المبنى، أم رفض لمعتنقي الإسلام، أي المسلمون الأميركيون، وأن الاعتراض على المبنى ليس سوى عذر أو حجة ليس إلا؟

هذه كلها أسئلة تستحق النقاش، إلا أن الموضوع من وجهة نظري هو أعمق من مسجد أو قطعة أرض أو مراعاة لشعور ضحايا كان من بينهم ما لا يقل عن 100 مسلم على الأقل بل إن بعض الإحصاءات تشير إلى 300 مسلم لقوا حتفهم في ذلك الهجوم الإرهابي الجبان.

محور الأمر من وجهة نظري هو اتفاق الخصوم على العداوة واستخدام كل الوسائل والأساليب من أجل تجذيرها وتأطيرها واعتماد مبدأ الشيطنة المتبادلة لتأجيج نارها.

فمواقف الظلاميين الأميركيين الذين يرفضون الآخر خاصة إذا كان الآخر هو الإسلام والمسلمين تجد لها صدى قويا وترحيبا كبيرا لدى الظلاميين المسلمين، كما تجد مواقف الظلاميين المسلمين، الذين يرفضون الآخر (الغربي) خاصة إذا كان مسيحيا أو يهوديا، صدى وترحيبا قويا لدى ظلاميي الغرب في نفس الوقت.

وتتحول التصريحات والمواقف المعادية للمسلمين إلى سلاح يتكئ عليه ظلاميو المسلمين كما تتحول تصريحات وتهديدات متطرفي المسلمين إلى سلاح يشهره أعداؤهم ويثبتون من خلاله تجذر العداء تجاههم.

وبطريقة أو بأخرى يصنع كل من الطرفين الآخر.

فالقوى الظلامية في الغرب وفي العالم الإسلامي بقدر ما تصرح بكراهيتها وعداوتها للأخرى تكتسب شرعيتها ووجودها منها. فكلاهما مصدر حياة الأخرى.

والشيطنة المتبادلة هي «الحبل السري»، حيث يغذي كل منهما الآخر. فالتطرف يغذي التطرف المضاد.

وهكذا يتحالف الأعداء عن بعد وتصبح صيرورة وجود كل منهما مرتبطة بوجود الآخر، ويتحول العالم إلى رهينة لتحالف الأعداء إلى أن يرفضهم ويلفظهم وينتزع زمام المبادرة من أيديهم. فلنقل لا للظلامية ولا للتطرف من أي جهة جاء وبأي رسالة أتى. وهل نستفيق لهذه اللعبة القذرة التي تعصف بمستقبلنا؟

* كاتب ليبي مقيم في أميركا