مفاوضات الانتخابات

TT

أكثر الكلمات تكرارا في نشرات الأخبار العربية والتقارير الصحافية هذه الأيام هي كلمة «مفاوضات»، فالأخبار تتركز على المفاوضات الجارية بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بواشنطن، برعاية أميركية من الرئيس باراك أوباما، ومباركة وتأييد من الرئيس المصري حسني مبارك والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني.

والمفاوضات جمع مفاوضة، وهي عربية قديمة من فوض، والتفاوض يعني المشاركة، فيقال تفاوض الشريكان في الثروة أي اشتركا فيها، أو أن نقول تفاوض الطرفان على أرض الضفة الغربية، بمعنى تشاركا فيها، مع أنها ملك لطرف واحد فقط هو الطرف الفلسطيني.

والحقيقة أن المفاوضات الجارية هي مفاوضات أميركية، لأسباب وأهداف أميركية داخلية بحتة. قلة تعتقد أن هذه المفاوضات يمكن أن تقود إلى السلام المنشود وحل الدولتين المطلوب، وذلك لأن الطرف الإسرائيلي متصلف، يرفض التخلي عن الأرض، ويهدد باستئناف بناء المستوطنات على أراضي الضفة مع انتهاء مدة التوقف المؤقت التي تنتهي في 26 من هذا الشهر. والطرف الفلسطيني ضعيف لا يملك أسباب دفع نتنياهو للتخلي عن الأراضي الفلسطينية المحتلة، والورقة الوحيدة التي يمتلكها هي مقاطعة المفاوضات ومغادرة الطاولة نحو المجهول.

المفاوضات الجارية الآن هي مفاوضات لأجندة أميركية خالصة، وتحضير لانتخابات الكونغرس التي ستجرى في نوفمبر (تشرين الثاني) القادم، حيث إن التوقعات تشير إلى صعوبة وضع الحزب الديمقراطي - حزب الرئيس - في هذه الانتخابات، وإلى تراجع شعبية الرئيس إلى نسب غير مسبوقة، وتزايد أعداد الذين يعتقدون أنه مسلم يمارس «التقية»، وازدياد أرقام البطالة وطوابير العاطلين عن العمل، وارتفاع وتيرة هجوم اليمين الأميركي عليه وعلى سياساته، ووصل ذلك الهجوم حد التظاهر بعشرات الآلاف في واشنطن تزامنا مع ذكرى مسيرة المليون لمارتن لوثر كينغ، داعية الحقوق المدنية الأسود في الستينات من القرن الماضي.

كل هذه التطورات مجتمعة دفعت الإدارة الأميركية إلى التحضير والاستعداد للانتخابات القادمة، فاتخذت خطوات لا يغفلها المراقب: سحب الرئيس الأميركي آخر جندي من القوات القتالية من العراق، وألقى خطابا حاول فيه تذكير الأميركيين بأنه رئيس وعد وأوفى، مشددا على أهمية التلاحم الوطني، وأنه اتصل بالرئيس الأميركي السابق جورج بوش - قائد تلك الحرب - في مغازلة واضحة لليمين وتهدئة لهجومهم عليه. في خطابه عن انسحاب القوات القتالية من العراق، ذكر الرئيس أرقاما فلكية عن كلفتها المالية على دافع الضرائب الأميركي، وهنا أيضا مغازلة مبكرة للناخب الأميركي بأنه وفر بعضا من أموال ضرائبه التي حرقتها الحرب في العراق.

وكررت الإدارة الأميركية أنها بصدد التخطيط للبدء في سحب قواتها من أفغانستان في يوليو (تموز) القادم، وهذا التكرار يهدئ النفوس التي تشهد تزايد الخسائر البشرية والمادية في تلك الحرب التي يبدو لدافع الضرائب الأميركي أنها بلا طائل.

وسوف يرتكز الخطاب الرسمي الأميركي خلال الأسابيع القادمة على مسألة الاقتصاد وكيفية الخروج من الأزمة الاقتصادية التي طالت كل الناخبين في الولايات المتحدة الأميركية.

ثم جاءت المفاوضات.. فالرئيس الأميركي دفع بكل قوته وثقله لدفع الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي نحو طاولة المفاوضات لكي يظهر بمظهر رجل السلام الذي استحق جائزة نوبل للسلام، وها هو يجمع الفلسطينيين والإسرائيليين على طاولة واحدة، ويكرر التزامه بأمن إسرائيل، وتمسكه بخيار السلام، وبتحقيق المفاوضات، على أمل أن يهدئ القوى المؤيدة لإسرائيل بين الناخبين. ذكر لي صديق أميركي طرفة أن رد الرئيس الأميركي أوباما هذه الأيام على تحية مثل «مساء الخير»، هو «أمن إسرائيل».

المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين التي انطلقت في واشنطن الأسبوع الماضي، هي مفاوضات من أجل الانتخابات الأميركية، وليست من أجل السلام.