مفاوضات.. بأي حال عدت يا مفاوضات

TT

نحن نقف الآن على عتبة مفاوضات هي الأقرب إلى النجاح، ولعل السبب في ذلك هو أننا خبرنا الفشل لسنوات طويلة، واستمتعنا بما يبعثه في النفس من يأس مريح، ليس مريحا لنا فقط بل للإسرائيليين أكثر، ولعل أكثرنا ارتياحا كانت الجبهات المتطرفة سياسيا ودينيا على الجانبين، بالإضافة بالطبع لهؤلاء الذين يعتقدون أن وظيفتهم على الأرض تحويل الدنيا إلى جحيم.

منذ سنوات قليلة كان من الصعب إقناع الإسرائيليين بحتمية إقامة دولة فلسطينية، وما زال الأمر على نفس الصعوبة بالنسبة لعدد كبير من الجماعات الفلسطينية، أما الآن فقد أدرك الجميع، من الرئيس أوباما نزولا حتى آخر درجة على سلم السياسة عند كل المسؤولين في العالم كله، أنه بغير دولة فلسطينية حرة وذات سيادة، ستنحدر المنطقة بسرعة أو بالتدريج إلى مستنقع من العنف والإرهاب سيدفع ثمنه الغرب وشعوب الشرق الأوسط. الدولة الفلسطينية ضرورة للفلسطينيين وللإسرائيليين وبقية شعوب الأرض..

نعم نحن الآن على عتبة مفاوضات هي الأقرب إلى النجاح. غير أن القرب والاقتراب من النجاح يتطلبان جهدا حقيقيا لم يكن يتطلبه الفشل، القرب من النجاح يتطلب الحكمة والشجاعة كما قال أوباما، هذه هي مفردات رجال السياسة. أما أنا فأقول: بل يتطلب قدرا كبيرا من الصدق والحب وقدرة عالية على التخلص من الكراهية الراقدة بين ثنايا النفوس. ليس مطلوبا أن نحب الإسرائيليين، ولا أن يحبنا الإسرائيليون، المطلوب فقط أن نتصارح بكل صدق، وعندما نكتشف أننا نكره بعضنا البعض كراهية أبدية، فعلينا أن ننتقل على الفور إلى خطوات عمل كفيلة بأن نحيا في سلام في وجود هذه الكراهية، أقصد أن نكره بعضنا البعض بشكل متحضر لا يقتل فيه بعضنا البعض ولا يخرب مصادر ثروة الآخر.

وقبل الوصول إلى السلام الفلسطيني - الإسرائيلي، أجد من المهم أن أناقش عددا من المقولات صاحبت، وما زالت، مسيرة السلام المصرية - الإسرائيلية، ومنها أن الرئيس السادات تم اغتياله لأنه عقد اتفاقية سلام مع إسرائيل، الواقع أن الرئيس السادات قتلته جماعة جهادية دينية ثورية، لأنه في تصورها حاكم كافر، ليس كافرا لأنه عقد اتفاقية سلام، بل هو كافر لأنه لا يحكم بما أنزل الله، لم يحدث في التحقيقات أن أحدا من قتلته قال شيئا عن اتفاقية السلام، وحتى دور الشيخ عمر عبد الرحمن في اغتياله، كان يتلخص في سؤال من أفراد التنظيم هو: هل قتل الحاكم الكافر أمر شرعي؟

فكانت إجابته التي برأته المحكمة بسببها هي: وهي دي عاوزة فتوى؟

المحكمة لم تعتبر هذا الرد تحريضا على القتل. الحقيقة أن السادات قتل لأن جماعة دينية متطرفة سنحت لها الفرصة لقتله، وبعد سنوات طويلة وفيما يسمى «المراجعات»، اكتشف زعماء الجماعة أنه كان خطأ من الناحية الشرعية. السادات لم يقتل بسبب اتفاقية السلام، بل تم اغتيال سيرته وإنجازاته بعد ذلك على أيد وألسنة وأقلام عاجزة عن احترام الأفعال النبيلة. هل أطلقت الجماعة الدينية المتطرفة النار على الرئيس حسني مبارك في أديس أبابا لأنه عقد اتفاقية سلام؟ هل تم إطلاق النار على عاطف صدقي رئيس وزراء مصر، وحسن الألفي وزير داخليتها، وصفوت الشريف وزير إعلامها، وحسن أبو باشا رئيس أمن الدولة الأسبق وعلى المعاش، ومكرم محمد أحمد الكاتب الصحافي، ورفعت المحجوب رئيس مجلس الشعب السابق، لأنهم عقدوا اتفاقية سلام مع إسرائيل؟ القتل نشاط رئيسي عند هذه الجماعات، لأنه يغذي عندها احتياجا حقيقيا للقتل. لقد قتلوا الرئيس السادات لأنهم استطاعوا ذلك، ولو سنحت لهم الفرصة لقتل كل رؤساء دول وحكومات المنطقة العربية لفعلوا ثم بحثوا بعد ذلك عن أسباب شرعية تبرر فعلتهم.

مقولة إن السادات قتل بسبب اتفاقية السلام، واعتناق بعض المتنفذين لها، أدى إلى إفساد العلاقات الطبيعية في مجال الثقافة بين مصر وإسرائيل، بما كان يمكن أن يؤدي إلى سلام فلسطيني - إسرائيلي منذ سنوات مضت، فقد ترتبت توابع بناء على هذه المقولة الزلزال، منها أن السادات أُرغم على عقد الاتفاقية وأننا - حكومة وشعبا - مرغمون على الالتزام بها ولكن النقابات الفنية والثقافية والإعلامية ليست مرغمة على شيء، ولذلك فمن حقها أن تتخذ ما تراه من قرارات في هذا الشأن (أنا أريدك أن تتخيل نتنياهو وهو يقول لأبو مازن في أول جلسة تفاوض: هذه الجلسة ينقصها أعضاء مجلس إدارات النقابات الفنية ونقابة الصحافيين واتحاد الكتاب، لقد تعلمنا من تجارب السلام السابقة، ونريد منهم أن يتعهدوا بقبول ما سنصل إليه) هل تتصور ذلك؟

ومن التوابع أيضا، ماذا حصلنا عليه بعد السلام، سيناء منزوعة السيادة؟ أما أخطر هذه التوابع فهي أن الشعب المصري نفسه يرفض العلاقات الطبيعية مع إسرائيل، وبما أن المثقفين هم ضمير الأمة لذلك هم يعبرون عن الموقف الحقيقي للشعب المصري، كل ذلك لنفي تهمة السلام ولإثبات أننا أرغمنا عليه، الواقع أن كلمة المثقفين هنا تابعة لقاموس الثورة القديم وهو الميثاق، ميثاق العمل الوطني الذي قسم المصريين إلى أنواع، إنه تحالف الشعب العامل (الفلاحون، والعمال، والرأسمالية الوطنية، والفئات، والمثقفون، والجنود) هكذا يكون المثقفون قبيلة ليس لها صلة عضوية ببقية الشعب، إما أن تكون رأسمالية وطنية أو مثقفا، لا أحد تنبه إلى أن المثقفين هم الشريحة العليا في كل مهنة، تلك الشريحة المهتمة بالهم العام.

إذا كان المثقفون هم الأشخاص القادرون على التفكير السليم والتعرف على الطريق الصحيح الذي يجب أن تسير فيه الأمة لتحقيق مصالحها، فدعني أذكر لك عددا من أصحاب العقول المصرية أيدوا ودافعوا عن السلام، الأسماء بغير ترتيب، الدكتور حسين فوزي، نجيب محفوظ، أنيس منصور، لطفي الخولي، الدكتور مراد وهبة، عبد المنعم سعيد، ثم (بعد إذن حضرتك) كاتب هذه السطور.

ضع هذه الأسماء في كفة، وضع عددا مساويا لها من العقول في كفة الميزان الأخرى.. تُرى كفة من سترجح؟

أنصار السلام في مصر هم الأغلبية المسؤولة، إلى جوار مشروع الكويز بين أميركا وإسرائيل ومصر، توجد 407 شركة مصرية تتعامل مع إسرائيل، منها 355 في مجال الملابس الجاهزة والمنسوجات + 6 في مجال الإنتاج الحيواني + 8 شركات في الخضراوات + 13 في الإنتاج الكيماوي + 5 في منتجات الجلود + 14 في المواد الخام + 6 مصانع للأثاث والمفروشات. (جريدة «المال» منذ خمسة أعوام في 17/4/2005) أقول ذلك ردا على السيدة المذيعة التي قالت لي: «أنت لوحدك اللي بتدافع عن السلام».