خلفيات وأبعاد حملة حزب الله على الحريري

TT

الهدوء الذي قابل به رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري الحملة الظالمة والشرسة التي تشن على المحكمة الدولية وعليه، يدعو إلى الإعجاب والتقدير لموقفه الوطني، وكرجل دولة. ولا نظنه سيتخلى لا عن هدوئه ولا عن شعوره بمسؤوليته الوطنية وينجر إلى ما يحاول بعض المعارضين (الحاكمين) جره والبلاد معه إليه، وإن كان، بعد أن اشتدت الحملة عليه، قد قام بزيارة دمشق، وأكد «أن القانون فوق الجميع» و«أن الدولة هي المسؤولة الوحيدة عن الأمن».

كلا، إن ما حدث في بيروت منذ أيام، ليس حادثا فرديا. وحتى لو لم يكن مخططا له يبقى حدثا خطيرا من حيث حجمه ومعانيه وأبعاده. ولا يخفف من خطورته كونه وقع بين «جماعات متقاربة سياسيا»، كما قال البعض، بل يزيد ذلك من خطورته، إذ إنه يكشف عن أمرين: الأول هو وجود هذه الكمية من الأسلحة والمقاتلين في أحياء بيروت السكنية، والثاني هو الطابع المذهبي الذي ارتداه، والأعمال التخريبية الانتقامية التي رافقته، ومنها إطلاق القنابل على المنازل وإحراق أحد المساجد السنية في البسطا.

وأقل ما يمكن لنواب بيروت وممثليها، ومعظم اللبنانيين معهم، طلبه من «السلطات» هو أن تكون قوى الأمن والجيش أكثر حضورا وجهوزية للتدخل عند حدوث أعمال عنف، واستطرادا إعلان بيروت مدينة منزوعة السلاح. وكم كان رد «البعض» ضحلا في معارضته إبعاد السلاح عن بيروت: «إن إسرائيل يمكن أن تهاجم لبنان والضاحية من البحر ومن بيروت»؟! ولم لا من جونيه والبترون وطرابلس، لتبرير نقل مراكز المقاومة وأسلحتها إلى كل مدن لبنان؟!

وعلى الرغم من «حيرته» بين مراعاة شعور أبناء بيروت وتبنيه لشعارات فريق 8 آذار، فقد أصاب الرئيس سليم الحص صلب الحقيقة حين قال: «إنني أخشى على المقاومة من وجود أو استخدام السلاح في بيروت».

لو أن هذا الذي حدث وقع في فترة استقرار سياسي ووئام وطني، لقلنا مع القائلين إنه عابر، وإن «تبويس اللحى» بين الذين تقاتلوا ينهي الأمر. ولكنه وقع في هذا الجو «المسموم» الذي يستبد باللبنانيين، منذ إعلان حزب الله والمعارضين المتحكمين بالحكم، الحرب على المحكمة الدولية واتهامها بالتبعية للولايات المتحدة ولإسرائيل ومطالبتهم بإلغائها. وهم يعرفون أن قرار إنشائها وإلغائها ليس في يد الحكومة اللبنانية ولا الرئيس سعد الحريري، وأن طمس جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري والسياسيين اللبنانيين الآخرين، مسألة ليس من السهولة «بلعها»، لا وطنيا ولا عربيا ولا دوليا. فهل قدر حزب الله ما قد تؤول إليه هذه الحرب التي أعلنها على المحكمة ورئيس الحكومة والدول الكبرى والمجتمع الدولي؟

قد تؤدي هذه الحملة إلى إرجاء صدور القرار الاتهامي، لا سيما إذا أراد المحقق التوسع في تحقيقه على ضوء «القرائن» التي عرضها أمين عام حزب الله، وسلمت إليه عن طريق النيابة العامة اللبنانية. ولقد بات واضحا أن وزراء حزب الله وحلفاءه لن يوافقوا على تسديد الحكومة اللبنانية لحصتها في موازنة المحكمة الدولية، عند استحقاق القسط التالي، وقد ينسحبون من مجلس الوزراء أو يستقيلون، الأمر الذي سيدخل لبنان في أزمة سياسية ووطنية جديدة، لا سيما أنه لا حكومة دستورية في ظل المجلس النيابي الحالي، يرأسها زعيم سياسي سني غير سعد الحريري.

ومما زاد في طين الوضع السياسي بلة، هو ما قيل عن تردد الولايات المتحدة وفرنسا في مد الجيش اللبناني بأسلحة دفاعية متطورة، واستعجال إيران في عرضها تسليح الجيش، مما يطرح أكثر من سؤال حول الاستراتيجية الدفاعية التي ما زالت تحت الدرس على طاولة الحوار، وموقف الدول الكبرى وإسرائيل من لبنان، ومن القرار 1701، إذا أصبحت إيران هي المصدر الأساسي لتسليح الجيش وحزب الله؟!

لا شك في أن هدوء أعصاب الرئيس سعد الحريري ساعد ويساعد كثيرا على عدم تفجير الأزمة التي يعدها البعض، بسبب المحكمة الدولية، وأن «الفتنة» التي يهددون بها تتطلب فريقين مسلحين، لا فريقا واحدا.

وليس في لبنان حزب أو طائفة تحمل السلاح الثقيل غير حزب الله. ولكن من الراهن، أيضا، أن عملية «قضم الحكم» تدريجيا تمهيدا لنقض اتفاق الطائف، ما زالت مستمرة، سرا وعلنا. وأن بناء الدولة وتحقيق الاستقرار في لبنان، وطمأنة اللبنانيين على أرواحهم ومستقبلهم، ليست بأولوية عند جميع اللبنانيين.

كلمة أخيرة: إن زيارة الرئيس الحريري إلى دمشق تحمل معها نوعا من الاطمئنان نظرا لـ«مونة» دمشق على «أصدقائها» في لبنان وفي طليعتهم حزب الله. وإن زيارة الملك عبد الله والرئيس الأسد المشتركة الأخيرة كانت مشجعة على التفاؤل باستقرار الأوضاع السياسية في لبنان. فما الذي حدث، حقا، حتى يفجر حزب الله هذه الحرب على الحكومة والمحكمة الدولية؟ الجواب ليس سهلا تكتيكيا، وإن كان معروفا.. استراتيجيا.