إسرائيل وفلسطين: حل يقوم على دولة واحدة حقيقية

TT

من حين لآخر يتساءل بعض المفكرين: «أين مانديلا الفلسطيني؟»، لكن في أعقاب فشل محادثات السلام الأخيرة بين الإسرائيليين والفلسطينيين المنعقدة الآن في واشنطن، نظرا لأن هذا مسارها المحتوم - فإن التساؤل الأكثر إلحاحا قد يكون: «أين دي كليرك الإسرائيلي؟» هل يمكن أن يظهر قائد إسرائيلي يملك الشجاعة الأخلاقية ونفاذ بصيرة الرئيس جنوب الأفريقي السابق بحيث يشرع في تقويض نظام قائم على التمييز ويعمل على تعزيز الديمقراطية القائمة على المساواة في الحقوق؟ على مدار عقود، تحرك المجتمع الدولي بناء على فرضية أن فلسطين التاريخية يجب أن تقسم بين اليهود والفلسطينيين. ومع ذلك، لم يتم التوصل قط إلى تقسيم مرض للأرض. وتسببت إسرائيل، من جانبها، في تفاقم المشكلة بتوطينها قرابة 500.000 يهودي في القدس الشرقية والضفة الغربية، مما قضى على القاعدة الأرضية اللازمة لإقامة دولة فلسطينية قابلة للبقاء.

وعليه، ظهرت على أرض الواقع دولة واحدة، مع سيطرة إسرائيل فعليا على جميع أراضي فلسطين السابقة. إلا أن اليهود وحدهم هم من يتمتعون بكامل حقوقهم داخل هذا النظام السياسي الوحدوي. في المقابل، يعيش المواطنون الفلسطينيون داخل إسرائيل في ظل قوانين تفضل اليهود صراحة وسياسات تعمد إلى تهميشهم منذ أكثر من 35 عاما. مثلا، ليس بمقدور الفلسطينيين من أبناء الضفة الغربية قيادة سياراتهم على الطرق الذي بني من أجل المستوطنين الإسرائيليين، بينما يراقب الفلسطينيون في غزة نمو أطفالهم الذهني والبدني يتعرض للإعاقة جراء الحصار الإسرائيلي الذي قيد فرص التعليم وعمق الفقر على نحو خطير. وقد اعترف الزعيمان الإسرائيليان إيهود أولمرت وإيهود باراك بأن الحكم الإسرائيلي الدائم على الفلسطينيين الساخطين سيرقى لمستوى نظام تمييز عنصري. وقال مراقبون آخرون، بينهم الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر والأسقف الجنوب الأفريقي ديزموند توتو، إن التمييز العنصري تأصلت جذوره في المنطقة.

من الواضح أن الفلسطينيين واليهود الإسرائيليين سيستمرون في العيش معا، والتساؤل هو: تحت أي شروط؟ لن يقبل الفلسطينيون بعد الآن الخنوع الدائم، وهو الأمر الذي ينطبق على جميع الشعوب. وتكمن الإجابة في ضرورة إضفاء الإسرائيليين والفلسطينيين الطابع الرسمي على واقعهم الفعلي القائم على دولة واحدة، لكن بناء على مبادئ الحقوق المتكافئة وليس التمييز العنصري. وسيكون من الضروري صياغة مرحلة انتقالية متعددة المستويات تتضمن آليات للمصالحة. وينبغي أن تحظى إسرائيل/فلسطين بحكومة علمانية واحدة ناطقة بلغتين يجري انتخابها على أساس فرد واحد بصوت واحد، بجانب توفر ضمانات دستورية قوية بتحقيق المساواة وحماية الأقليات، مع تعزيز ذلك بضمانات دولية.

وينبغي أن تتبع الهجرة معايير غير تمييزية، وأن يسمح بالزواج المدني بين أعضاء المجموعات العرقية والدينية المختلفة. وينبغي كذلك أن يتمتع المواطنون بحرية الإقامة في أي جزء من البلاد، وأن تعكس الرموز العامة والتعليم والعطلات التنوع السكاني.

ورغم أن حل الدولة الواحدة أحيانا يقابل بالرفض باعتباره مثاليا حالما، فإنه يتغلب على العوائق الكبرى التي تعيق إقرار حل الدولتين، حيث لا يجري ترسيم حدود وتبقى القدس من دون تقسيم ويصبح بإمكان المستوطنين اليهود الإقامة في الضفة الغربية. علاوة على ذلك، يمكن أن تستوعب الدولة الواحدة على نحو أفضل عودة اللاجئين الفلسطينيين. إن الدولة القائمة على مبادئ المساواة والاندماج ستحمل سلطة أخلاقية أعلى من دولتين تقومان على قومية عرقية ضيقة. إضافة إلى ذلك، سيأتي هذا متوافقا مع البنود المناهضة للتمييز في القانون الدولي. وسيتمتع الإسرائيليون بالقبول الدولي الذي حرموا منه طويلا والمنافع المترتبة على إقرار علاقات صديقة وصلات تجارية مع الدول العربية وفتح قنوات السفر بين الجانبين.

وتتمثل العقبة الرئيسة أمام حل الدولة الواحدة في الاعتقاد بأن إسرائيل يجب أن تكون يهودية. والملاحظ أن قوانين جيم كرو ونظام التمييز العنصري الجنوب الأفريقي كانا متخندقين ومعتديين على حقوق الآخرين على نحو مماثل لهذه الرؤية حتى حلت نهايتهما. ويوحي التاريخ بأنه من المتعذر الإبقاء على صورة من التمييز والتفضيل العنصري داخل مجتمع متعدد الأعراق.

اللافت أن وجهات النظر الإسرائيلية بدأت في التحول بالفعل، خاصة بين قادة التيار اليميني. على سبيل المثال، اقترح وزير الدفاع السابق موشيه أرينز خلال مقابلة أجرتها معه صحيفة «هآرتس» أن تضم إسرائيل الضفة الغربية إليها وتعرض مواطنتها على سكانها. كما أبدى روفين ريفلين، رئيس الكنيست، وتسيبي هوتوفلي، عضو البرلمان عن حزب الليكود، تأييدهما لمنح المواطنة الإسرائيلية لسكان الضفة الغربية، طبقا لما أفادته «هآرتس». في يوليو (تموز) الماضي، وقال هوتوفلي عن سياسات الحكومة الإسرائيلية الرامية للفصل: «النتيجة هي حل يطيل أمد الصراع ويحولنا من محتلين إلى مرتكبي مذابح». هل يمكن أن يتحول أي من هؤلاء السياسيين إلى دي كليرك الإسرائيلي؟ لم يتضح ذلك بعد. اللافت أن غزة مستثناة من الحديث الإسرائيلي حول ضم أراض جديدة، مما يكشف أن من يطرحون هذا المقترح ما يزالون متمسكين برؤية الحفاظ على دولة يهودية، لكن مع وجود أقلية فلسطينية أكبر. ومع ذلك يبقى رفضهم لفكرة الدولتين، التي أثبتت عدم واقعيتها، تطورا صحيا. وإذا كان الأميركيون يتطلعون للقيام بما هو أكثر من مجرد إدارة الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني عبر مفاوضات دائمة غير شاملة، فينبغي عليهم الثناء على هذا الجدل الناشئ. بعد تغلبنا على التمييز العنصري الممنهج، سنتمكن من محاكاة فضائل المجتمع متعدد الثقافات النشط القائم على حقوق متساوية. ويبدو الرئيس أوباما رسولا مناسبا لحمل هذه الرسالة الحيوية.

* بروفسور بكلية هاستنيغز للقانون بجامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو، وزميل بارز لدى معهد الدراسات الفلسطينية.

* خدمة «واشنطن بوست»