العتم أسهل

TT

كلما خطر لي الكتابة عن لبنان لا أجد أمامي إلا الأسى والسوء. وعلى من يكتب في الشؤون اللبنانية أن يكون غرابا أو طائر البوم. فالذي تراه مقلق، وتخشى أن يكون الذي لا تراه مخيفا. لا بارقة حسنة ولا بريق جميل.

من أشهر الخطب في التاريخ واحدة ألقاها المحامي الأميركي كلارنس دارو دفاعا عن رجل أسود قتل رجلا من البيض الذين حاولوا إحراق منزله (العشرينات) لطرده هو وأطفاله. تطلع كلارنس في 12 محلفا أبيض وقال: ليس بينكم من هو في لون المتهم. لكنني أناشدكم ألا تصدروا حكمكم باسم قانون العرق أو اللون، وإنما باسم قانون واحد أنا أؤمن به، هو قانون المحبة. وصدر الحكم بالعفو إجماعيا.

قانون المحبة غائب في لبنان. يحكون عن الفتنة كأنهم يحكون عن قهوة الصباح. والصحف حبر وسموم ونفث أحقاد. الخطب طائفية ومذهبية وتحريضية وغضب. التهم مباراة يومية في كرة القدم وكرة السلة والكرة الطائرة. يذهب السياسيون إلى طاولة الحوار وهم يرفضون مصافحة بعضهم بعضا. تبدأ التلفزيونات نشراتها الإخبارية بـ«تحليل» يحلل كرامة الخصم ووجوده ودمائه. لا شيء ولا أحد سوى البغض. وإذا انتقل سياسي من معسكر إلى آخر نقل معه بغضه أو عجرفته أو احتقاره لمن كان يدعي احترامهم بالأمس.

ومن الصعب عليك أن تكتب في كل هذا. وما ذنب القارئ الجالس في الرياض أو في القاهرة أو في هيوستن أن تنقل إليه كل هذا الغم. فهو يعرف لبنان بقدر ما تعرفه. وهو قادر على ترجمة لغات اللبنانيين كما ينبغي. واللهم زدني علما لا غما.

شخصيا، لا علم لي. لست أعرف ما هي علاقة الوضع في لبنان بالقنبلة النووية في إيران. ولا أعرف لماذا يجب أن يزعزع الوضع بسبب بدء المفاوضات الإسرائيلية - الفلسطينية المباشرة. ولا أعرف لماذا يريد السيد مقتدى الصدر أن يأتي إلى لبنان. ولا من سيأتي معه أو من سيأتي خلفه. ما أعرفه هو أن لبنان مليء بمساكين العراقيين. دكتور في القانون كان يعمل سائقا في برج حمود إلى أن علمت به إحدى المؤسسات القانونية الكبرى. وبعض البيوت مليء بصبايا العراق يعملن في المطابخ. وآمل ألا تكون لنا يد في مأساة العراق أو مسؤولية، كما هي مسؤوليتنا عن وضع الشرق الأوسط بشكل عام والقضية الفلسطينية بشكل خاص. ولا نستطيع طبعا أن ننفي مسؤوليتنا عن القضية الكردية وقبلها إخواننا في إريتريا.

ثم إن من يريد الكتابة عن لبنان عليه أن يسارع إلى ذلك قبل غياب الشمس لأننا بلد يعيش على العتم. وكل من تسول له نفسه الشكوى يتعرض للتوبيخ والتأنيب من وزير الكهرباء والنور جبران باسيل. ولذا الأفضل ألا نكتب. العتم أسهل.