النموذج الاقتصادي الصيني ليس مناسبا للولايات المتحدة

TT

لننسَ قضية «مسجد غراوند زيرو»، والإجازة التي قضتها ميشيل أوباما في إسبانيا، ولننسَ حتى التسرب النفطي داخل خليج المكسيك. عندما ينظر المؤرخون في المستقبل إلى صيف عام 2010، يحتمل بدرجة كبيرة أن يوجّهوا اهتمامهم إلى نهضة الصين وتحولها إلى ثاني أكبر اقتصاد في العالم.

وبصورة عامة، يعد ذلك شيئا جيدا، فنهضة الصين - وظهور الهند، وإن كان يحدث بدرجة أكثر بطئا - يعني أن مئات الملايين من المواطنين الفقراء للغاية ينضمون إلى الاقتصاد العالمي ويصبحون أكثر ثراء. وقد كانت الناتج المحلي الإجمالي للفرد داخل هاتين الدولتين راكدا في الفترة من 1820 إلى 1950. وبعد ذلك ارتفع بنسبة 68 في المائة في الفترة من 1950 حتى 1973، وبنسبة 245 في المائة في الفترة من 1973 حتى 2002.

ولكن علينا توخي الحذر كي لا نتعلم الدرس الخطأ من انبعاث الصين، فالدرس الأكثر خطورة مفاده أن الاستبداد يحقق نتائج طيبة.

وقد أصبحت هذه الفكرة مغرية على نحو خاص في الوقت الذي يساور فيه الكثير من الأميركيين، في اليمين واليسار، شكوك بشأن كفاءة حكومتهم. وفي المقابل نجد الكثيرين، ولا سيما بين النخبة السياسية وداخل قطاع الأعمال الأميركي، معجبين بكفاءة النموذج الرأسمالي المعتمد على سيطرة الدولة داخل الصين. وفي الواقع يوجد اتجاه فكري رائج، مثلما يشير ستيفان هالبر وإيان برمر وآخرون، يشير إلى أنه في أعقاب الأزمة المالية العالمية يمكن أن يحل النموذج الاقتصادي الصيني محل النموذج الأميركي. ولكن ذلك يعد خطأ فادحا. قد يكون للاقتصاد المركزي مهارة في إخراج المجتمعات من الفقر الزراعي ودفعها إلى العصر الصناعي، ولا سيما عندما تكون التقنية اللازمة لذلك تم اختراعها في أماكن أخرى. ولنتذكر أنه في الثلاثينات والأربعينات والخمسينات بدا القالب السوفياتي قابلا للبقاء لهذا السبب على وجه التحديد.

وحتى الوقت الحالي فإن نهضة الصين في الأغلب ذات صلة بإدخال الصناعة إلى اقتصاد ريفي فقير بصورة لا تصدق. وحاليا نجد أن الناتج المحلي الإجمالي بالنسبة للفرد داخل الصين، الذي تصل قيمته إلى 3600، يساوي النسب داخل سلفادور وألبانيا. ولم نرَ حتى الآن ما إذا كانت الدولة الصينية المركزية والإدارة ستكون قادرة على اتخاذ الخطوة المقبلة والمنافسة في مجال الابتكار المالي والتقني. وعندما شهدت كوريا الجنوبية نفس التحول في الثمانينات تحولت أيضا إلى شكل أكثر ديمقراطية من الحكم، ونموذج الرأسمالية أكثر حرية.

ومن الأسباب التي قد تجعل الرأسمالية الحكومية تتعثر في الوقت الذي تصبح في الصين أكثر ثراء هو أنه قد يكون الصعب جعل الناس مستهلكين من دون جعلهم مواطنين حقيقيين. ومن التحديات الاقتصادية الكبرى أمام الصين خلال العقد المقبل: هل ستسمح لسوقها المحلي بالنمو؟ وسيعني ذلك إعطاء المواطنين الصينيين قوة إنفاق أكبر. وبينما يصبح الصينيون أكثر برجوازية، قد يطلبون المزيد من الحقوق السياسية. وسيكون الابتكار قيدا آخر على الرأسمالية الحكومية. قد يحتوي الاقتصاد السياسي الأميركي على الكثير من الأخطاء، البنية التحتية المنهارة والطبقة المتوسطة المفرغة، ولكن لدى أميركا ميزة عظمية لم يتسنَّ لدولة أخرى محاكاتها، في ما يتعلق بالإبداع واستخدامه وفق ما يريده الناس، نجد أميركا نموذجا لا يتكرر، فبها شركة «أبل» و«غوغل» و«فيس بوك». وهذه اختراعات تقود الثورة التقنية، ولا يمكن سوى لمجتمع مفتوح القيام بمثل ذلك. وفي الواقع إن الصين عبارة نموذج يوضح التهديد التي تطرحه الدول الاستبدادية المركزية أمام التطور التقني الثوري. ومن الأسئلة الهامة التي يواجهها مؤرخون سبب تخلي الصين، التي كانت على وشك ثورة صناعية في القرن الرابع عشر، عن تغيير تقني راديكالي وتركها الميدان لأوروبا.

ثمة تفسير مفضل لقرون الركود هذه، وهو نفس ما نقدمه للمنظومة الحالية داخل الصين، إنها الدولة الاستبدادية المركزية. وكما كتب المؤرخ الاقتصادي جويل موكير: «غياب المنافسة السياسية لم يعنِ أن التقدم التقني لا يمكن حدوثه، ولكنه كان يعني أن صناع السياسية يمكن أن يوجهوا إليه ضربة قاضية». وفي نفس الوقت، عندما قرر حاكم داخل أوروبا المنقسمة والفوضوية الضغط على المبدعين «لم يقم بأكثر من نقل مركز الجاذبية الاقتصادية من منطقة إلى أخرى». الديكتاتوريات ليست عظيمة في تصحيح الذات.

لا يجب أن تكون الولايات المتحدة راضية عن نهضة الصين، فعلى أقل القليل يعني ذلك أن الشركات الأميركية والسياسيين الأميركيين والشعب الأميركي في حاجة إلى أن يتحولوا من الدور المريح كقوة عظمى وحيدة في العالم إلى مهمة أصعب تتضمن العمل في عالم متعدد الأقطاب. قد يكون المعجبون بالصين على حق عندما يشيرون إلى بعض مشاريع البنية التحتية الرائعة داخل الدولة ويسألون لماذا لا يمكن للأميركيين، الذين يزيد متوسط دخلهم بمقدار أكثر من 12 مرة عن دخل المواطنين الصينيين، تحقيق شيء كبير.

ولكن يمكن أن تحترم أميركا الصين من دون محاكاتها، ومن السهل الإعجاب بالدكتاتورين، ولا سيما إذا كانوا بعيدين. ودائما ما تبدو الأسواق الحرة والمجتمعات الحرة فوضوية وتعوزها الكفاءة. ولكن عندما يتعلق الأمر باختراع العالم الحديث والعيش في أطرافه، فإن أفضل نموذج توصل إليه العالم هو الرأسمالية الديمقراطية.

* محررة شؤون دولية لدى «طومسون رويترز»

* خدمة «واشنطن بوست»