الأرقام والإحصائيات

TT

أصبحنا نعيش اليوم فيما يسمى بـ(العالم الرقمي)، كل شيء بالأرقام: الساعات، التليفونات، السيارات، المنازل، الكومبيوترات، المعاملات، موازنات الدول، عدد الجنود، عدد التلاميذ، بل إن بعض الدول يحصي حتى عدد الراقصات لكي لا تختل موازين المجتمع ويطغى شيء على الآخر.

وأكثر ما يغيظني في أميركا هو رقم (99)، فمن النادر أن تعرض سلعه إلا ويكون سعرها مثلا: دولار و(99 سنتا) بدلا من اثنين، أو (99.99) دولار بدلا من مائة.

وقد علمت أن هذه طريقة ناجحة في خداع الزبون لنفسه، وهي لم تعمل إلا بعد دراسات مكثفة أجراها علماء النفس للتأثير على المشترين، وأعترف أنني من أول المتأثرين لا عن غباء ولكن عن تخانة مخ.

وفي سنة من السنوات خطف طفل (لجون ولش)، وشن حملة مع المنظمات المعنية بالأولاد المفقودين في أميركا، وخرجوا برقم هو (50) ألف حادثة خطف سنويا، فدب الذعر في نفوس الأهالي، وأنشأت وزارة العدل مركزا خاصا لتحث الأهالي على إخبارها أولا بأول عن كل طفل مفقود، وكانت النتيجة أنه طوال أربع سنوات من العمل لم يتلق المركز سوى (471) تقريرا مصدقا عن عملية خطف، إذن من الممكن أن تكون الإحصائيات مضللة.

وهناك قاعدة معروفة وهي النزعة إلى تضخيم الخسارة أكثر من الربح، فالناس مثلا يكونون أكثر استعدادا لدعم برنامج للصحة العامة إذا أخبروا كم من السكان سيموتون دونه، وليس كم عدد الذين سينجون به.

وأضرب لكم مثلا، ولو أنه مختلف قليلا، ولكن لا بأس من ذكره لأنه يضرب على الوتر الحساس لبعض الناس: ففي سنة فارطة، كنت حاضرا مجلسا في بريدة يتصدره أحد القضاة الفضلاء، وأخذ يحكي عن مشكلة (العنوسة)، وكيف أن السبب الرئيسي لها هو أن أكثر الناس لا يعددون، ووجه كلامه لنا قائلا: إنني أستطيع من باكر أن أزوجكم كلكم، سواء أراد أحدكم مطلقة أو أرملة أو بكرا، لو أن كل رجل منكم كان لديه أربع من النساء فلن تبقى في البلاد عانس واحدة، فأخذ البعض يدعو له، وفكرت أن (أصهين) غير أنني عندما تذكرت أن الساكت عن الحق شيطان أخرس، وبما أنني لست بأخرس ولدي بدلا من اللسان الواحد اثنان، فقد قلت له: يا فضيلة القاضي مع احترامي لك، نحن الآن في هذا المجلس (30) رجلا تقريبا، ولو أن كل واحد منا لديه زوجة واحدة وأنجبت ابنتين، واحدة تزوجت والأخرى فاتها النصيب، فمعنى ذلك أن هناك (30) عزباء، قال: صحيح، قلت أما لو كان كل واحد منا لديه أربع زوجات، وكل زوجة أنجبت ابنتين واحدة منهما تزوجت والأخرى فاتها النصيب، فمعنى هذا أننا سنجد عندنا بقدرة قادر(120) بدلا من (30)، فهل نحن بهذا نكون قد حللنا المشكلة أم عقدناها أكثر؟! بهت القاضي وأطرق ساهما ثم رفع رأسه وقال لي: الحقيقة أن ذلك لم يخطر على بالي، ثم غير موضوع الحديث نهائيا، الله أكبر، لو أنكم ساعتها شاهدتموني؟! إنني وقتها كدت أرقص من شدة الفرح وأنا جالس في مكاني، فهو أول انتصار لي منذ عشرة أعوام.

وبما أننا بصدد الأرقام: ففي الخمسينات الميلادية من القرن العشرين، سأل صحافي أحد الحكام العرب كم عدد السكان في بلاده؟! فقال له الحاكم: ما شاء الله كثير فعددهم يتراوح حسب الإحصائيات من خمسة ملايين إلى أربعين مليونا.

[email protected]