الفرق بين «الجبة» و«القبة»

TT

في كل مرة ألتقي بأحد شيوخ الدراهم أتذكر ما أورده عبد القدوس الأنصاري من أن الثري في الماضي، الذي يمتلك مائة ألف درهم، كان يبني على سطح داره قبة، ويطلق عليه الناس لقب «الألفي»، فالناس في الماضي لم يخلطوا بين «الجبة» و«القبة»، وبالتالي كان الفرق واضحا في أذهانهم بين «الشيخ» و«الألفي».

يفرق «باولو كويلو» بين الخيول والجمال، ويقول: «الجمال خائبة، فهي تسير آلاف الخطى من دون أن تبدي أي إشارة تدل على تعبها، ثم تقع فجأة على ركبتيها وتنفق، أما الجياد فهي تتعب تدريجيا، وتعرف دائما طاقتها، واللحظة التي يمكن أن توصلها إلى الموت»، ومن الناس خيول وجمال، والخيار ليس دائما متروكا للفرد، فقد يضطرك خبز الحياة إلى أن تركض، وتركض، وتركض، حتى ينبت لك سنام، وليكفك الله شر السقوط.

كتاب السياسة يعيشون وهم ذلك العصفور الهزيل الذي بلغه نبأ أن الشمس سوف ترتطم بالأرض فاستلقى على قفاه، رافعا قدميه إلى أعلى، لعله يمنع الشمس من أن ترتطم بالأرض قائلا: «سأبذل ما في وسعي لمنع حدوث ذلك»، فهؤلاء الكتاب يفترشون كل صباح نواياهم الطيبة، وضمائرهم الصادقة على قارعة الصحف في محاولة لوقف الحرب والعنف وأسلحة الدمار ووحشية الإنسان، وظل السيف - دائما - أصدق أنباء من «الصحف».

بين صاحبات الجمال وأصحاب المال علاقة تجاذب، فالثري في حاجة إلى الجمال لإشباع نزعته إلى التملك، والجميلة تشعر بأن لجمالها الحق في أخذ نصيبه من الدنيا، لكن صاحب المال سرعان ما يصاب بالتخمة من الجمال، كما أن «ست الحسن والجمال» قد تكتشف بعد العشرة العابرة صدق المثل «يا آخذ القرد من أجل ماله، بكرة يروح المال ويبقى القرد على حاله»!

في هذه الأيام من كل عام تتغندر المنطقة التاريخية من مدينة جدة وتتبختر، وتخفي وجهها الهرم خلف لوحات النيون، وهي تستقبل أهلها - الذين هجروها في مواسم الهجرة إلى شمال المدينة - يأتون إليها كسياح غرباء، فتموسق المدى أصوات البائعين:

«يا حلاوة العيد.. يا حلاوة

من مال جديد.. يا حلاوة»..

وأغرق أنا في تأمل «الرواشن» العتيقة، وأتذكر كيف كانت تهطل شموسا تضيء «الأزقة» الذابلة.

[email protected]