رجل محترم في مهمة صعبة

TT

إذا سألت مستثمرا أجنبيا أو سألت تاجرا وطنيا أو سألت مطلقة تبحث عن حقوقها أو سألت ورثة يتابعون تركتهم أو سألت أي أحد مهتم بحقوقه عن أهم الملفات وأدق القضايا بالسعودية اليوم لكانت الإجابة الفورية هي: وضع القضاء. وهي مسألة باتت معروفة ويجري الحديث عنها في مناسبات شتى، والكثيرون أدلوا فيها بدلوهم وقدموا ما يعتقدون أنه آراء صائبة أو أفكار مهمة ستساهم في الإصلاح القضائي والعمل على تطويره. وإذا عرفت العلل وظهرت مكامن الخلل باتت المسألة تتطلب دراية فنية دقيقة واطلاعا عميقا وفهما واسعا، لذلك كله من المسؤول عن إدارة دفة هذه المهمة الصعبة والمعقدة.

ولذلك كم كانت مفاجأة جميلة وسارة تلك التي جمعتني بلقاء خاطف وسريع وبلا موعد مع وزير العدل السعودي محمد العيسى. الرجل لديه حضور واثق وهادئ وهو على درجة كبيرة من اللطف والتهذيب وهذا في حد ذاته مسألة إيجابية ونقلة في الأسلوب والمنهج، ولكن المفاجأة الأهم كانت عمق فهم الرجل للتحدي الذي يواجه وزارته وعدم إنكاره ولا مكابرته في ذلك بل هو يدرك تماما أن هذه المسألة، أي الإصلاح القضائي، سيكون لها دور حيوي في خطط التنمية والإحساس بالمواطنة والانتماء أيضا.

الرجل شديد الانفتاح والاطلاع العملي على تجارب العالم مع القضاء وأفكاره وإصلاحاته، فهو مطلع على التجربة الفرنسية اللاتينية والإنجليزية السكسونية والأميركية الحديثة. وعلى مستوى العالم العربي له اطلاع مهم ولافت على تجارب مصر والمغرب وتونس والأردن وسورية، وحتى في دول العالم الثالث الحديثة تعمق في دراسة تجربة سنغافورة. وهو على قناعة تامة جدا بأن التحدي الأهم اليوم ليس في عدد القضاة الموجود بالكادر القضائي وكون العدد غير كاف كما يتم ترديده، بل يوضح هذه المسألة: إن العدد الموجود اليوم مناسب بحسب المعايير والمقاييس الدولية المقارنة، ولكن المشكلة تكمن في الآلية والنظام الذي تسير فيه القضايا الآن. وهو حريص على أن تكون التقنية الحديثة جزءا أساسيا وحيويا من مفهوم التطوير والإصلاح القضائي، وأن المحكمة الإلكترونية والقضاء الإلكتروني سيكونان مسألة حقيقية في الوزارة، وأن ذلك مجرد مسألة وقت قصير، وهو يستشهد بنجاح تجربة سنغافورة الفعالة التي حققت بنجاح الحد من التدخلات والاختراقات البشرية، وبالتالي محاولات الإفساد والتأثير على الأحكام الصادرة.

يدرك محمد العيسى أنه يواجه تحديا عظيما ومهمة كبيرة، ويعي أيضا أن الإنسان بطبعه مقاوم للتغيير ورافض له، وأن ملف القضاء هو ملف حساس وشائك ومعقد، ولكنه يعي أيضا أن هناك فجوة كبيرة في الثقة اليوم بين قطاعات مختلفة وبين الجهاز القضائي، وأن هناك تفاوتا في الأداء بين قطاعات داخل الجهاز القضائي نفسه، وأن أداء ديوان المظالم مثلا أسلس وأكثر فعالية من المحاكم الشرعية، وبالتالي درجة الارتياح من الإجراءات والنتائج الصادرة ليست على ذات الدرجة من داخل جهاز واحد.

محمد العيسى وزير عدل شاب واثق الخطوة وواسع الاطلاع يدرك تماما المهمة التي أمامه، تسلح بعلم واطلاع وإيمان بأن المهمة التي لديه فيما لو تمكن من النجاح فيها ستكون أحد أهم الإنجازات في التاريخ الإداري السعودي. من السهل جدا فتح سيول النقد والاتهام على كل القطاعات الإدارية، ولكن من المهم أيضا الإشادة ببوادر الأمل والشخصيات المخلصة السائرة في دروب صعبة وملغمة حتى تتسلح بالدعم وتبني ثقتها بنفسها أكثر، ومن المطمئن الآن بالنسبة للجهاز القضائي السعودي اليوم وجود شخصية محترمة على رأسه مثل محمد العيسى، وكل الأمل والرجاء من رب العالمين أن يوفقه في تحقيق طموحه وطموح الناس في تحويل خططه ورؤيته وأهدافه المهمة والجميلة إلى واقع وحقيقة ينتفع ويحصد ثمارها كل الناس، وقتها سيدخل التاريخ من باب الرحمة والسلام ودعاء الناس له.

نسأل الله أن يوفقه ويسدد طريقه.

[email protected]