جهود الإغاثة داخل باكستان يجب أن تبدأ بمحاربة الفساد

TT

ترفض دول ومؤسسات خيرية وأثرياء، وحتى طلبة المدارس، إعطاء أموال إلى الحكومة الباكستانية لتستخدمها في التعامل مع الفيضانات التي ألحقت أضرارا بما يصل إلى 20 مليون شخص.

وأغضب الاتحاد الأوروبي باكستان بأن أعطى مساعداته إلى مؤسسات أهلية باكستانية وغربية. ولكن، سارت هيئات دولية بارزة ودول أخرى على نفس النهج وأرسلت مساعدات عينية بدلا من المساعدات النقدية.

ويشعر الباكستانيون بالخجل لأن السياسيين والبيروقراطيين والجنرالات أبدوا هذا المقدار من الفساد وعلى مدار وقت طويل. ولذا لم يبق أحد يثق في أنهم سيتعاملون بنزاهة مع ضحايا الفيضانات المدمرة التي وقعت خلال صيف العام الحالي. ولكن، تظهر إشارات مبكرة على أن المخاوف صحيحة، حيث اتهم ملاك أراض إقطاعيين وسياسيين بثقب سدود لإنقاذ أراضيهم وتحويل المساعدات الإغاثية إلى أهل دوائرهم.

منذ الفيضانات التي بدأت قبل خمسة أسابيع، لم يسع الرئيس آصف علي زرداري ولا رئيس الوزراء يوسف رضا كيلاني إلى الوصول لآلية شفافة لاستلام الأموال وإنفاقها. وفي المقابل، قام الجيش الباكستاني والحكومة المركزية والحكومات داخل الأقاليم الأربعة والمجلس الوطني بإنشاء صناديق إغاثة لمنكوبي الفيضانات بصورة منفصلة، ولا يتبرع لها سوى عدد قليل من الباكستانيين، فلا أحد يثق بهم.

وفي الوقت الذي تجمع فيه مؤسسات مالية دولية والحكومة الأميركية نحو 3 مليارات دولار على الأقل للمساعدة على إعادة بناء البنية التحتية المدمرة داخل باكستان، يحين الوقت كي يعمل حكامنا المهووسون بالسرقة معا، ليبذلوا جهودا من أجل استعادة الثقة المتداعية بين المواطنين.

وتحتاج الحكومة المدنية الباكستانية إلى صندوق ائتماني على غرار الصندوق الذي يقدم تمويلا إلى الحكومة والجيش والشرطة داخل أفغانستان. وسيكون هذا الصندوق مسؤولا عن مراقبة الأموال المُتبرع بها ومساعدة الحكومة على تنفيذ جهود الإعمار بعيدا عن الأغراض السياسية. ويمكن أن تعطى مساحة للتكنوقراط الباكستانيين الأكفاء وعمال تابعين للمنظمات الأهلية واقتصاديين تتجاهلهم الحكومة في الأغلب.

ويمكن أن يدير البنك الدولي أو هيئة إقراض دولية أخرى، صندوق التعمير المقترح، ويجب أن يتم الإشراف عليه ميدانيا من جانب اقتصاديين باكستانيين مستقلين وشخصيات تعمل في العمل الاجتماعي. ويمكن أن يكون للبيروقراطية والجيش الباكستاني، اللذين سينفذان تلك الخطط، بعض مقاعد على الطاولة، ولكن لا يجب أن يكون لهما حق الفيتو فيما يتعلق بالطريقة التي تأتي بها الأموال أو أسلوب إنفاقها. ويمكن أن يساعد الصندوق على التخطيط لإصلاحات اقتصادية على المدى الطويل مثل القاعدة الضريبية الموسعة (يدفع 2.3 مليون فقط من 170 مليون باكستاني الضرائب) والإصرار على أن يدفع ملاك الأراضي ضرائب على الدخل. وتوجد حاجة ملحة إلى مثل هذه العوائد، ولكن لم تكن لدى أي حكومة الإرادة السياسية كي تنفذ هذه الإصلاحات.

ولا شك في أن النخبة الحاكمة سوف تصرخ بأن هذا لا يمكن السماح به داخل دولة مستقلة وقوة نووية. ولكن الحقيقة هي أن باكستان فقدت سيادتها منذ وقت طويل عندما تخلت النخبة الحاكمة عن الفقراء وضعف اهتمامها بالتنمية الاقتصادية في مقابل اهتمامها بالقروض الأجنبية وترك الجيش طوعا مساحات من الأراضي والسكان لصالح شبكات إسلامية إرهابية. وعلاوة على ذلك، تراجعت ثقة المواطنين في الحكومة عقب الاستجابة الضعيفة للفيضانات، لتصبح نسبة الثقة مساوية لما كان عليه الحال عام 1971 عندما لم تقم النخبة الباكستانية الغربية بأي شيء حيال إعصار ضرب النصف الشرقي من باكستان وفقدت النخبة الحاكمة باكستان الشرقية، وهي بنغلاديش حاليا.

ومن المهم اتخاذ خطوات فورية، وثمة اقتتال كبير بين إسلام آباد والأقاليم الأربعة بشأن الطريقة التي يجب أن تنفق بها أموال الإغاثة. ويزعم القيادي المعارض نواز شريف أن إسلام آباد لا تقدم أموالا إلى إقليمه البنجاب وإلى بلوشستان، التي دمرها المتمردون قبل أن تعاني من الدمار الشديد إثر الفيضانات الكبيرة، مماثلة لما تقدمه إلى الأقاليم الأخرى. وربما تكون المنطقة الشمالية خيبر باختونخاوا الأكثر معاناة من ناحية تدمير البنية التحتية، ولكن لم تتلق إجابة على دعوات من أجل تقديم مساعدات على المدى الطويل، وذلك بحسب ما تفيد به تقارير إخبارية.

وفي هذه الأثناء، دعا السياسي ألطاف حسين، القريب من الجيش، إلى انتفاضة على غرار الثورة الفرنسية وحكومة يقودها الجيش. وهو تهديد للديمقراطية الناشئة التي بدأت تتشكل بعد أن انتهت عشرة أعوام من الحكم العسكري المدمر في 2007. ووسط كل أشكال الدمار، تتقدم حركة طالبان باكستان، وتقتل 100 شخص في تفجير انتحاري داخل لاهور وكويتا الأسبوع الماضي، وأكدت حركة طالبان الباكستانية مسؤوليتها عن التفجيرين. ويستفيد انفصاليون داخل بلوشستان من حالة الفوضى كي يقوموا بحملة اغتيالات ضد غير البلوش داخل المنطقة.

وسيزداد الاقتتال السياسي وتكثر التهديدات مع تراجع المياه وتبدأ مخاطر الإعمار. وعملية الإعمار المنوط بالحكومة القيام بها ستتحكم فيها مصالح سياسيين محليين وأصحاب أراض إقطاعيين. وثمة حاجة إلى خطة نزيهة معقولة للتعامل مع الدمار الهائل: تدمر نحو 5000 ميل من الطرق والسكك الحديدية وما يصل إلى 1000 جسر ونحو 7000 مدرسة و400 مركز صحي ومساحات كبيرة من الأراضي في الشمال لا يمكن الوصول إليها. ويوجد نحو خُمس الأراضي الزراعية الباكستانية تحت المياه، وهو ما ينذر بنقص في السلع الغذائية. كما يلوح في الأفق مخاطر انتشار أوبئة بين ضحايا الفيضانات.

لقد قامت إدارة أوباما بخطوة ممتازة من خلال مساهماتها الخاصة وتشجيعها المجتمع الدولي على بذل المزيد. وفي الوقت الحالي، يجب أن تساعد باكستان من أجل المستقبل. ومثلما أشار السيناتور جون كيري فإنه «من خلال مساعدة باكستان على القيام بالشيء الصحيح، سيكون لأميركا أثر مستمر وإيجابي». وفي بداية ذلك، يحتاج الباكستانيون إلى معرفة الطريقة التي سيتم بها صرف المساعدات.

* صحافي باكستاني ومؤلف كتاب «الولايات المتحدة والكارثة داخل باكستان وأفغانستان ووسط آسيا»

* خدمة «واشنطن بوست»