«نانسكوب» في قطر

TT

أهدى الرئيس الإيراني إلى أمير قطر خلال زيارته إلى الدوحة جهاز نانسكوب المخصص لرؤية الأشياء الدقيقة جدا والذي تنتجه فقط 5 دول في العالم كما قال. وطبعا صاحبت زيارته تهديدات بمحو إسرائيل من الجغرافيا والسياسة إذا هاجمت إيران.

رسالة الرئيس الإيراني واضحة وهي أن إيران قوية ومتقدمة علميا إلى مصاف دول قليلة في العالم تنتج أجهزة علمية معقدة. وبالتالي، فإنها رقم صعب على القوى الغربية التي تسعى وراءها بسبب برنامجها النووي، والتهديدات الإسرائيلية الموجهة لها.

وكان رد أمير قطر بليغا ومعبرا أيضا، وهو يشكر الرئيس الإيراني على هديته بقوله - كما نقلت الصحف القطرية - إن الرئيس المصري الراحل عبد الناصر أهدى إلى والده جهازا أيضا (لا بد أن هذا كان في الستينات) ما زالت قطر تحتفظ به، وسيكون سعيدا بالاحتفاظ بالجهاز الإيراني.

حال المنطقة لا يتغير كما يبدو فأوجه التشابه والمقارنة واردة بين ستينات وخمسينات القرن الماضي والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين في اللغة والخطاب (هل يتذكر أحد شعار «من الإبرة إلى الصاروخ») رغم تغير العالم والمجتمعات وموازين القوى.

قبل عقود كان هناك ضباط وأيديولوجيات علمانية قومية، كان من بينها معاركها مع أصحاب العمائم ورجال الدين الذين يريدون أن يصبحوا ساسة وحكاما. والآن، وبعدما وصل هؤلاء إلى حلمهم في أن يكونوا الحكام في مثل حالة إيران، استخدموا نفس اللغة وإلى حد ما جوهر الأيديولوجية القومية العلمانية مع وضع غطاء ديني عليها، ولا أحد يريد أن يتعلم من تجارب الماضي.

ليس هذا حديث تحبيط أو تقليل من أهمية السعي للإمساك بمفاتيح العلوم والتقدم في طابور الأمم، والحصول على مكانة محترمة على المائدة الدولية، فهذا حق طبيعي. لكن المهم هو نموذج التنمية الصحيح الذي يراكم بناء فوق بناء ويصنع قاعدة صلبة للبناء يصبح من الصعب انهيارها، وليس الإعلانات المبهرجة التي لا يعرف أحد مدى دقتها..

ومتابعة التقارير والإعلانات الصادرة عن طهران طوال الشهور الماضية تكشف أن معظم ما أعلن عنه من إنجازات هي عسكرية في الدرجة الأولى، صواريخ وطائرات دون طيار وقوارب سريعة قادرة على إغلاق الخليج ومعدات تخصيب لليورانيوم تثير شكوكا في العالم حول برنامج عسكري نووي سري.

في المقابل، ليست التقارير الاقتصادية عن الأحوال المعيشية والخطط التنموية بهذا الإبهار. فأرقام البطالة عالية والبعض يقدرها بـ12% وآخرون بـ25% مع وجود بطالة مقنعة، وأرقام التضخم ترتفع بشدة، وتجار البازار التقليديون الذين كانوا وراء الثورة في بدايتها ليسوا سعداء بدليل الإضراب الذي نفذوه الشهر الماضي وأغلقوا به البازار كليا.

وإذا نظرنا إلى الكثير من دول العالم الصناعية أو المتقدمة شرقا وغربا سنجد أن معيار التقدم الحقيقي ليس مرتبطا بالصواريخ بقدر ما هو مرتبط أولا بقاعدة صناعية وتكنولوجيا واسعة مدعومة بأنظمة تعليم راسخة ومتطورة، ومستويات معيشة جيدة نسبيا مرتبطة بشبكة أمان اجتماعي. وكل هذه الدول لو أرادت أن تنتج صواريخ ستقوم بذلك خلال فترة قصيرة اعتمادا على قاعدتها الصناعية والعلمية.

خلاصة القول أن هناك الكثير مما في النموذج الإيراني لا يدعو إلى الارتياح، فالإعلانات التي تصدر أشبه بما فعله صدام حسين في أحد الاجتماعات العربية عندما خرج علنا وقال إن لدي المزدوج الكيماوي، فأخاف العالم منه. وثبت في النهاية أن حجم الدعاية أكبر من الحقيقة.. ما نريده حقيقة هو تنمية حقيقية وبهدوء ودون معاداة العالم، لأن التنمية لا تحدث في أيام أو سنوات قليلة ولكن في عقود يجب أن يسود فيها الاستقرار.