الخليج الفارسي أم الخليج العربي؟!

TT

ازداد الخلاف في السنوات الأخيرة بين العرب والإيرانيين حول تسمية خليج المياه الذي يفصل بينهم، وهل هو «الخليج الفارسي» أم «الخليج العربي»، حتى إن بعض مواقع الإنترنت نظمت عملية تصويت لزوارها حول ما يرونه التسمية الصحيحة.. فأي الاسمين هو الصحيح ومن يحق له تقرير ذلك؟

والخليج هو المساحة المائية التي تفصل شبة الجزيرة العربية عن جنوب غربي إيران، وتطل عليه إلى جانب إيران ست دول عربية هي العراق والكويت والسعودية والبحرين وقطر والإمارات، كما تواجه سلطنة عمان الساحل الإيراني في خليج عمان جنوب مضيق هرمز. ويمتد الخليج بطول نحو 965 كيلومترا من مضيق هرمز في الجنوب وحتى شط العرب في العراق شمالا، وتبلغ مساحته نحو 233 ألف كيلومتر مربع، كما يبلغ عرضه نحو 370 كم، ويضيق إلى 55 كم عند مضيق هرمز. وترجع أهمية الخليج إلى أن أغلب صادرات النفط في العالم تنقل من خلاله عبر موانئ الدول المصدرة للنفط الواقعة على ضفافه.

كان «الخليج الفارسي» هو الاسم المستخدم في العصر الحديث بشكل عام - حتى في الدول العربية نفسها - حتى ستينات القرن العشرين. ونحن نرى كل الخرائط التي صدرت قبل 1960 تجمع على استخدام اسم الخليج الفارسي. إلا أنه منذ هذا التاريخ بدأت الدول العربية تبدي رغبتها في استبدال اسم الخليج العربي بالخليج الفارسي. فما الذي حدث حتى يبرر تغيير الاسم القديم؟

لا شك في أن استقلال الدول العربية بعد نهاية الحرب العالمية الثانية كان له أثر كبير في نمو الشعور القومي لدى شعوبها، والرغبة في استعادة مظاهر الاستقلال لدى العرب بعد سنين طويلة من السيطرة الأجنبية. إلا أن الموقف سرعان ما تعقد بعد قيام الثورة الإسلامية في إيران سنة 1979، التي أدت هي الأخرى إلى زيادة الشعور القومي لدى الشعب الإيراني، وتصميم السلطات الإيرانية على عدم تغيير اسم الخليج الفارسي. وبينما أدى الشعور القومي لدى العرب إلى الرغبة في التخلص من النفوذ الأجنبي، فقد أدى في إيران إلى الرغبة في مد نفوذها خارج حدودها الشرقية. والسبب في هذا الموقف يرجع لظروف إيران التاريخية.

ففي الماضي سكنت أقوام بدوية كثيرة الهضبة الإيرانية لمئات السنين، من دون أن تتمكن من تكوين دولة موحدة أو قومية مشتركة. جاءت هذه الأقوام - التي بلغ عددها نحو 15 - من أواسط آسيا على دفعات خلال آلاف السنين، واستقرت في مناطق الهضبة الإيرانية. وكان الفرس أحد الأقوام التي وصلت في تاريخ متأخر واستقرت في الجنوب الغربي في منطقة صارت تعرف باسم بارس (فارس) بالقرب من شيراز شرق الخليج. وكان قورش الفارسي هو أول من قام بتوحيد الأقوام الإيرانية تحت سيطرته عند منتصف القرن السادس قبل الميلاد، في الوقت ذاته الذي استولى فيه على أرض الرافدين وبعض أجزاء من الشاطئ العربي للخليج. وكان الفرس منذ البداية يعتبرون أرض الرافدين جزءا من دولتهم، حيث اتخذ قورش لنفسه لقب «ملك بابل». وفي العصر الحديث لا يزال بعض القوميين الإيرانيين يعتبرون هذه المناطق أرضا إيرانية. فالعودة إلى القومية الفارسية تعني بالضرورة امتداد النفوذ الإيراني شرقا عبر الخليج وعبر والفرات.

أقام قورش الكبير الدولة الأخمينية، وأخضع باقي الأقوام التي تعيش في الهضبة الإيرانية، قبل أن يسير شرقا ليستولي على بلدان الهلال الخصيب ويكون الإمبراطورية الفارسية. وعندما مات سنة 529 قبل الميلاد خلفه ابنه قمبيز الذي مد حدود الإمبراطورية إلى مصر وآسيا الصغرى. ولهذا فإن تسمية الخليج الذي يمتد بين إيران والجزيرة العربية بالخليج الفارسي، جاءت نتيجة لامتداد الإمبراطورية الفارسية لتشمل كل المنطقة. فعندما وصل الرحالة الإغريقي هيرودوت خلال القرن الخامس قبل الميلاد، كانت أرض الرافدين وجزيرة البحرين ومدن سورية وفينيقيا وحتى مصر، تخضع كلها للإمبراطورية الفارسية الوليدة. ولهذا أطلق كتاب الجغرافيا الإغريق - استرابو وبطليموس - اسم «Sinus Persicus» أي الخليج الفارسي عليه.

ثم سقطت الدولة الفارسية أمام الإسكندر المقدوني سنة 330 قبل الميلاد، واستمرت إيران بعد موته خاضعة لخلفائه السلوقيين لمدة 82 عاما. وتمكن البارثيون من التخلص من السيطرة المقدونية وتكوين دولتهم في إيران، التي سرعان ما مدت سيطرتها على بابل. وبعد نحو خمسة قرون انتهى حكم البارثيين في إيران وحلت محلهم دولة الساسان الفارسية سنة 244 ميلادية، التي سيطرت كذلك على بابل وبعض أجزاء من الشاطئ العربي للخليج. ولهذا فعندما انتهى الحكم الفارسي لإيران مع وصول العرب في منتصف القرن السابع، استخدم المؤرخون الإسلاميون اسم بحر فارس أو خليج فارس كذلك، وهو الاسم الذي استمر استخدامه في جميع أنحاء العالم حتى العصر الحديث.

الآن بعد مضي 14 قرنا على نهاية حكم الفرس حتى في إيران نفسها، كيف يمكن التصميم على تسمية الخليج بالفارسي؟ كانت هذه تسمية مؤقتة في عصر سيطرة الفرس، وإن كان هناك حلم يراود البعض من استعادة حدود الإمبراطورية الفارسية القديمة تحت مسمى الوحدة الإسلامية. فاليونان مثلا كانوا يطلقون اسم ليبيا على كل المغرب العربي، كما أطلقوا اسم إثيوبيا على أفريقيا جنوب أسوان، لكن الأمر تغير الآن. كما أن الاسم الأصلي الذي أطلقه السومريون على الخليج قبل ثلاثة آلاف عام من ظهور الفرس كان هو «البحر الجنوبي» أو «البحر السفلي». بل إن العثمانيين بعد سقوط بغداد في قبضتهم سنة 1534 أطلقوا على الخليج اسم «بصرة كورفزي» أي بحر البصرة، وهو الاسم الذي يستخدمه الأتراك حتى الآن.

إلا أن الوسيلة السليمة لتغيير الاسم لا تتم عن طريق الصراع السياسي، بل النقاش التاريخي الموضوعي. وأنا أقترح أن تتولى إحدى الجامعات في دول مجلس التعاون الخليجي دعوة المؤرخين من الهيئات الأكاديمية العالمية وتلك المشرفة على نشر الخرائط والإنسايكلوبيديا - بما في ذلك إيران - إلى مؤتمر تتم فيه مناقشة الموضوع واتخاذ القرار الذي يحترمه الجميع.

* كاتب وأكاديمي مصري

مقيم في بريطانيا