«فيس بوك».. وصنع السلام العالمي

TT

مع عودة الزعماء الفلسطينيين والإسرائيليين إلى طاولة مفاوضات السلام، وهي عبارة باتت ذائعة التكرار لدى الجميع، شخص العالم أجمع ببصره إلى واشنطن. تكررت اللقاءات وتعددت لكنها لم تسفر عن شيء. لكن هل هناك أمل حقا هذه المرة؟ هل يمكن حقا أن تختلف هذه المرة عن سابقاتها؟

ربما لا يزال هناك أمل بعد، إن لم يكن في الوقت الراهن، فربما في المستقبل القريب، وذلك بفضل عاملين لم يضعهما كثيرون ضمن اعتباراتهم؛ ولكي نكون أكثر وضوحا فهما سيناريوهان:

الأول؛ في وزارة الخارجية حيث تجلس وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس. القاسم المشترك بين الثلاثة هو التقدم في السن والشعر الرمادي الكثيف في رأس كل منهم.

أما الثاني؛ ففي مكان غير بعيد عن المفاوضات، في مقهى جانبي بالقرب من جامعة جورج تاون حيث يجلس أربعة من الطلبة الجامعيين يتبادلون حديثا وديا، كان الأربعة إسرائيليا وفلسطينيا وآخر سوريا ورابعا أميركيا من أصول أفريقية (أحد الجالسين على طاولتي من الشباب كان يعرفهم وأخبرني عن جنسياتهم) كانت أجهزة «آي فون» الخاصة بهم مطروحة على الطاولة بين أطباق الكسكس والفلافل. كانوا يتحدثون اللغة الإنجليزية ويضحكون ويتبادلون الأخبار والتعليقات.

المشهد الذي وصفته ليس نادرا في واشنطن أو في كثير من المدن التي يوجد بها جامعات تجذب جنسيات مختلفة من الدول. وقد شاهدت هذا المشهد عشرات المرات من قبل.. وجوه وعرقيات وقوميات مختلفة، لكنها كانت تحمل الديناميكية نفسها، والعلانية نفسها بالنسبة لكبار السن. وقد تلاشت الخصومات القديمة والإرث التاريخي المضني بين هذه الأجيال الشابة لمواطني العالم حتى مع محاولة جيل الكبار في السن القيام - كما يحلو لي القول - بخوض تلك النقاشات السخيفة حول من يملك الحق في المطالبة بهذه المنطقة أو تلك.

الدخول إلى جيل «فيس بوك»، جيل من يمثل العالم بالنسبة لهم مكانا صغيرا جدا، وما يقرب من 500 مليون مشترك، ربما يفسر ذلك المشهد. وعندما يتواصل أحدهم مع الآخر بالضغط على مفتاح أو نقرة بسيطة يشكل العالم حينها وحدة كومبيوتر.

خلال متابعتي لحميمية العلاقة بين الأربعة أدركت أن الجماعات المتطرفة لا تستطيع مع عالم «فيس بوك»، حيث يتواصل الأصدقاء وأصدقاء الأصدقاء وتتوسع شبكات الصداقة مثل الجهاز الدوري إلى كل النطاقات التي تتيحها التكنولوجيا (والحكومات)، دعم وجودها. فالأصدقاء لا يقتلون بعضهم بعضا؛ أغلب الوقت.

ويبدو أننا ندرك الفرص التي توفرها الشبكات الاجتماعية في تقديم المحتوى السياسي والتجاري. فباراك أوباما صنع قاعدته الشعبية عبر الإعلام الاجتماعي. ويمكن تطويع القوة ذاتها لخدمة السلام. الحقيقة أن ذلك يحدث تحت سمعنا وبصرنا.

إذن لماذا لا يمكننا أن نأخذ هذا الشيء الذي يمكن تحويله لصالح سلام البشرية على محمل الجد؟

في عالم الإنترنت، يستطيع «غوغل» الترجمة إلى أي لغة بصورة متزامنة، مما يتيح للشباب من كل الجنسيات التواصل عبر أهداف عامة. ليس معنى ذلك أنني مفرطة في التفاؤل، لكن ما يثير الدهشة هو أن السلام يصبح أمرا مقبولا عندما تزال الحواجز على الاتصال. هناك أكثر من 500 مليون شخص يستخدمون «فيس بوك» فقط، 70% منهم من خارج الولايات المتحدة. وشبكة التواصل الاجتماعية «ماي سبيس» يزورها 122 مليون مستخدم ناشط شهريا، كما يوجد 145 مليون مستخدم لـ«تويتر». غير أن بعض الدول لا تحب وسائل الإعلام هذه للأسباب ذاتها التي نسوقها نحن. وهو أن الناس تتحدث. يتعرض «فيس بوك» للإغلاق في سورية والصين وحتى وقت قريب كان مغلقا أيضا في إيران وباكستان وبنغلاديش، فحيث تزدهر الحرية تفتح القنوات للحوار، والعكس بالعكس.

كما نعلم أيضا أنه حينما تزدهر الحرية ووسائل الاتصال تتضاءل فرص وقوع الحروب. هذا ليس علما كومبيوتريا؛ بل هي طبيعة بشرية. ومن ثم نتجمع حول طاولة كبيرة لتسوية النزاعات.

في الوقت ذاته، تتوافر الأدلة على أن المشاعر تتبدل بين الشباب الذين تتسع رؤاهم بشأن العالم أكثر من أبناء الأجيال السابقة. وقد توصل استطلاع الرأي الذي أجرته مؤسسة «فرانز لونتز» إلى أن الطلبة الجامعيين من الأميركيين اليهود أكثر رغبة من آبائهم في التساؤل عن وضع إسرائيل، وهم يرفضون كلام المؤسسات البحثية ويريدون السلام بشدة.

هل يشعر الشباب الفلسطيني بالشعور ذاته؟ للأسف لا توجد استطلاعات مشابهة.

لو كنت طاغية ليوم واحد، لأعددت لأن يصادق كل شاب شخصا آخر من معسكر العدو يختارونه هم، وأقيم برامج تبادلية للشباب في كل حي على الخريطة. وفي الوقت الذي يتنازع فيه الكبار على أحقية هذه المنطقة أو تلك، سيبدأ الأطفال في بناء قلاع الصداقة.

الأمل في الحرية والسلام الذي يكمن في قلوب كل البشر ربما لا يظهر في الوقت القريب. لكن الأمر يبدو حتميا للمرة الأولى في التاريخ. ربما لا يخلق الإعلام الاجتماعي السلام، لكن المؤكد أنه سيعزز المطالبة به. فالدواء يكمن عند أطراف أصابعنا.

* خدمة «واشنطن بوست»