فليذهب بقطار إيراني!

TT

بمحاولة ابتزاز مكشوفة، تحاول كتلة «دولة القانون» تسويق المالكي عربيا، للقبول به رئيسا للوزراء. ولم يعد لهم غير الجري نحو سراب أصبح مسلكهم الوحيد نحو السلطة، بسبب عدم إدراكهم بجدية القرار العربي بمقاطعة هذا النمط من السياسيين. وهو قرار يثبت أن العرب لم يتخلوا عن العراق.

ومن بين أحدث ما يتردد علنا بعد أن مرر سرا، هو أن المالكي سيقود أحد قطارين لا ثالث لهما. فإما أن يقود قطارا إيرانيا مع «التحالف الوطني»، وإما أن يقود قطارا وطنيا مع «العراقية»! وكأنه أقل السياسيين الآخرين علاقة بإيران. وردا على تصلب المالكي وعناده اتخذ «الائتلاف الوطني» قرارا بتسمية عبد المهدي مرشحا لرئاسة الوزراء. وأعد خطة «قد» يدخل بها إلى البرلمان لاستكمال هزيمة المالكي، الذي جاءت تسمية عبد المهدي محبطة له ومفاجئة تماما. لأنه كان يراهن على عدم قدرة قوى الائتلاف على الاتفاق. خصوصا أن الصدريين بقوا حتى قبل ساعات، يتحفظون على دعم توجهات المجلس الأعلى. لكنهم نجحوا في تفادي الوقوع في خطأ مماثل لما وقعوا فيه، عندما أيدوا المالكي في الانتخابات السابقة.

الآن أصبح المالكي في زاوية حرجة من مصلحة العراق ألا يخرج منها. فالأميركيون صدموا بصلابة الرفض السياسي والشعبي له، ولم يعد في وسعهم تطوير الغزل إلى غرام بتجديد سلطته. وهذا ما أكدته المعلومات عن أن نائب الرئيس الأميركي جوزيف بايدن القليل المعرفة بالشؤون العراقية، كان في زيارته الأخيرة أقل حماسا لمصلحة المالكي. حيث سمع كلاما واضحا من علاوي والحكيم.

وتبدو المعضلة العراقية أقرب إلى الانتعاش من تخبط استمر 6 أشهر. بيد أن المزيد من العقبات لا تزال تتطلب جهودا كبيرة ونكرانا للذات، وضغطا أميركيا، ومساندة عربية، ربما على غرار ما قيل عن طائف آخر في دمشق. بعد تراجع مصطلح «دول الممانعة والاعتدال» لمصلحة «محور التوازن العربي».

وقبل وساطة التقريب العربية، يفترض إجراء مناظرتين تلفزيونيتين مفتوحتين بين المالكي وعلاوي والمالكي وعبد المهدي. ويختار كل منهم عددا من الوزراء، والقضاة والخبراء المحايدين، لحضور المناظرتين. والاستماع إلى شهادات من منظمات حقوق الإنسان، ورئيس المفوضية العليا للنزاهة، ورئيس لجنة النزاهة في البرلمان، وعينات من المتضررين من شرائح الشعب ممن تعرضوا لعمليات الاغتصاب والتعذيب، وممن تعرضوا لضرر فادح. وعرض كشف تفصيلي للموازنات المالية لسنوات حكومة المالكي وكيفية صرفها.

ومن حق الدول العربية، إن لم نقل من واجبها، أن تتخذ موقفا واضحا بعدم التعامل مع الشخصية التي تثبت مسؤوليتها عن مآسي السنوات الأخيرة، تمهيدا للتوفيق بين الشخصيتين المرشحتين لرئاسة الوزراء والوصول إلى حلول توافقية بينهما. ثم يترك القرار للبرلمانيين للتصويت في ضوء المصالح الوطنية العليا.

ربما يظهر من يقول إن هذا المقترح مصمم للإطاحة بالمالكي. والجواب على ذلك: أليس من حق الشعب التعرف على حقيقة ما حدث خلال سنوات حكمه؟ وإذا كانت مسيرة حكمه ناجحة فلا خوف على مستقبله، وسيكون الشعب حكما والعالم رقيبا.

ومن المرجح أن ترفض السلطة هذا المقترح، لأن المناظرات ستكون مكاشفة غير معتادة تفتح مساءلات لا حصر لها، تمتد إلى الكثير من كبار المسؤولين، وتحسم الجدل الدائر حول تشكيل الحكومة، وتوقف المزايدات التي لم تقدم للفقراء لقمة عيش وللمظلومين استحقاقا وللخائفين أمنا. وتضع حدا للتخندق الطائفي والمناطقي، وتعيد تقويم العلاقات بين الحكومة والشعب.

وعندما يحرم الشعب من حق المكاشفة، فإن مسؤولية الخروج من المأزق تقع على «العراقية» و«الائتلاف» و«الكردستاني». فالتقاء الكتل الثلاث على منتصف الطريق يزيدها شعبية وقوة، وينقذ العراق من مستقبل مظلم، إذا ما جددت سلطة الحكم لفريق يتطور وجوده إلى دكتاتورية تدخل العراق في حقبة أحلك ظلاما. وليس معقولا ولا منطقيا أن تبقى العلاقة بين «الائتلاف» و«العراقية» محكومة بعقدة رئاسة الوزراء. فهناك المزيد من المواقع المهمة التي يمكن المناورة بها، على أن يبقى القاسم المشترك ممثلا في وصول قوى الاعتدال إلى المواقع الحساسة. وقطع الطريق على عناصر من حكومة الفشل للتمسك بمواقع مهمة. ومن حق الكرد التصدي لاحتمالات ترشيح المالكي لرئاسة الجمهورية لاعتبارات وطنية كبرى. فتيار فريق الحكم الحالي ينبغي أن يواجه بحقائق قد تؤدي إلى اجتثاثه من المؤسسات، بطريقة حضارية منصفة، وليس على طريقة الإجحاف السلطوي.