وإن فشلت المفاوضات فالاستقلال أمر محتوم

TT

الدولة الفلسطينية قادمة، لكن لم يتضح بعد ما إذا كانت ستأتي من خلال محادثات السلام الحالية أم لا.

من السهل أن نكون متشائمين أو حتى لا مبالين، بشأن الجولة الأخيرة من محادثات السلام الإسرائيلية - الفلسطينية الأخيرة. فالتاريخ شاهد على ضعف الإنجازات الفلسطينية في مفاوضات تدريجية. كل الجهود الناجحة حتى اليوم جاءت من مفاوضات سرية أعلنت فجأة عن التوصل إلى اتفاق سلام.

رغم هذه الحالة من التشاؤم، ربما تتحقق انفراجة هذه المرة، وذلك بفضل استراتيجية سلام فلسطينية لا تتزعزع، فبينما سعت منظمة التحرير الفلسطينية في السابق إلى انتهاج استراتيجية مزدوجة من المقاومة العسكرية والسياسية، يعارض القادة الفلسطينيون اليوم بوضوح أي شكل من أشكال العنف، ويمكن رؤية هذا الجهد مؤخرا بوضوح في كل مدينة أو قرية أو مخيم للاجئين في فلسطين. من خلال طرق سلمية مثل مقاطعة منتجات المستوطنات الإسرائيلية وحملة سحب الاستثمارات الدولية التي جذبت انتباه الكثير من الجماعات المحلية، والناشطين الدوليين وداعمي الإسرائيليين.

من ناحية أخرى، تعمل الأجهزة الأمنية الفلسطينية دون كلل من أجل الدفاع عن استراتيجية السلام. وقد أدت هذه الجهود إلى خلق بداية، لكن الأوضاع لا تزال تعاني من محاولات لعرقلة التقدم من كلا الجانبين.

فعندما وصل الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى واشنطن الأسبوع الماضي، كانت تلك هي المرة الأولى التي يدخل فيها زعيم فلسطيني محادثات سلام دائم وهو يواجه معارضة قوية داخل حزبه، بالإضافة إلى معارضة من فصائل منظمة التحرير الفلسطينية والجماعات الأخرى. ولم تقف حماس عند حد التعبير اللفظي فقط، بل أعلنت مسؤوليتها عن عملية 31 أغسطس (آب) التي راح ضحيتها أربعة مستوطنين يهود بالقرب من الخليل، وهجوم في اليوم التالي بالقرب من رام الله أدى إلى إصابة مستوطنين بجروح. كان توقيت الهجمات يهدف بوضوح لتعطيل المحادثات وإضعاف موقف الوفد الفلسطيني.

لدى الفلسطينيين الكثير من الأسباب الوجيهة في تشككهم في صدق إسرائيل بشأن السلام، أهمها: الهجمات الإسرائيلية الوحشية في غزة وانتهاكاتها المستمرة للقانون الدولي من خلال بناء مستوطنات يهودية فقط في القدس المحتلة والضفة الغربية، وعندما أعرب الزعيم الروحي لحزب شاس، وهو شريك رئيسي في الحكومة الإسرائيلية، عن أمله في أن يموت جميع الفلسطينيين بالطاعون، عبر الكثيرون عن شكوكهم بشأن رغبة إسرائيل في العيش في سلام مع جيرانها الفلسطينيين. وحتى بعد بدء المحادثات، ضعّف وزير خارجية إسرائيل أي أمل في تحقيق تقدم بقوله لن يحدث شيء هذا العام.

فلماذا يجب على الفلسطينيين التمسك بالأمل؟

بدلا من لعن الاحتلال الإسرائيلي، توجه رئيس الوزراء الفلسطيني والمدير التنفيذي السابق في البنك الدولي، سلام فياض، إلى التركيز على بناء الدولة الفلسطينية، وقد حسنت حكومة فياض الأمن، بحسب اعتراف جنرالات في الجيش الإسرائيلي، وإصلاحات كبيرة في مجالات التعليم والصحة والاقتصاد. وفي تقريرها السنوي عن المساعدة المقدمة إلى الشعب الفلسطيني، أشار مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية إلى ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي في الأراضي المحتلة 6.8% عام 2009، وتحمل مرحلة السنة الثانية من هذه الخطة التي كشف عنها مؤخرا عنوان «امتداد الوطن إلى الحرية».

دشن الفلسطينيون حملة علاقات عامة بعنوان «أنا شريك» تستهدف الشعب الإسرائيلي، التي كانت واضحة على المفاوضين الفلسطينيين الرئيسيين في أنها تسعى إلى فضح خرافة عدم وجود شركاء للسلام في الجانب الفلسطيني.

صحيح أن عباس كان مترددا في الذهاب إلى واشنطن، فقد كان الفلسطينيون والجامعة العربية يأملون في التوصل إلى اتفاق بشأن الحدود خلال الأربعة أشهر من المحادثات غير المباشرة كتمهيد لإجراء محادثات مباشرة. فإذا كانت الحدود الغربية لفلسطين قد تم الاتفاق عليها، لتأكد الجميع من أن بناء المستوطنات في مناطق الحدود الدولية لإسرائيل سيكون تحت سيطرة إسرائيل، في الوقت الذي تكون فيه القرارات بشأن وضع المباني والأراضي المخصصة للدولة بيد الفلسطينيين. والآن ينتهي التوقف الجزئي لبناء المستوطنات الإسرائيلية في 26 سبتمبر (أيلول)، وليست هناك فكرة واضحة عن توقيت إلغاء التجميد ولا الوقت الذي سيتوقف فيه بناء المستوطنات.

التزام إدارة أوباما سبب آخر للتفاؤل، فمع ترؤس الأميركيين المحادثات الثلاثية والتزامهم البقاء في المفاوضات لمدة عام، تأكد الفلسطينيون أن إسرائيل لن تتمكن من الاستئساد على وفدهم.

وعلى الرغم من تصريح الرئيس أوباما الأسبوع الماضي أن الولايات المتحدة لا يمكن أن ترغب في اتفاق السلام أكثر من الأطراف نفسها، فإن قيادتها للمحادثات، تبرز اهتمامها البالغ بالسلام كما هو الحال من الجانبين. إنشاء دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة كما أعلن أوباما وسلفه جورج بوش يصب في مصلحة الولايات المتحدة، ويبدو أن المحادثات تزامنت مع التقويم السياسي في الولايات المتحدة، فعقد محادثات السلام الآن يقدم فرصا إيجابية لتعزيز فرص الديمقراطيين قبل انتخابات التجديد النصفي، فيما تنتهي أي احتمالات بفرض حلول معينة قبل وقت طويل من بداية موسم الانتخابات الرئاسية.

الفلسطينيون لديهم سبب وجيه للأمل في احتمال قيام دولة مستقلة، فإذا ما جاءت نتيجة للمفاوضات فهذا أمر جيد، ولكن إذا فشلت المحادثات بسبب العراقيل الإسرائيلية، فلن يكون أمام الفلسطينيين سوى خيار إعلان دولتهم من جانب واحد، ونأمل أن يعترف العالم بها. وسيكون على الأميركيين الذين يشاهدون السلوك الفلسطيني في غرفة المفاوضات خلال السنة المقبلة أن يقرروا ما إذا كانوا سيعترفون بالدولة أو استمرار هذا الصراع الملتهب.

* صحافي فلسطيني وأستاذ الصحافة السابق

في جامعة برينستون

* خدمة «واشنطن بوست»