حي الطريف.. تراث عالمي

TT

رغم حرصي الشديد على الذهاب.. فإنه نتيجة لتلاحق وتلاحم أعمال الترميم في كثير من مناطق الآثار في مصر، وبناء الكثير من المتاحف الجديدة.. لم يكن في استطاعتي السفر إلى العاصمة البرازيلية لرئاسة وفد مصر في لجنة التراث العالمي لمنظمة اليونيسكو خلال اجتماعها الذي تم في أغسطس (آب) الماضي، وكان لا بد من أن ينوب عنى أحد مساعدي.

وكان أهم ما تم من أعمال خلال اجتماع لجنة التراث العالمي هو إدراج حي الطريف بمنطقة الدرعية الأثرية بالمملكة العربية السعودية إلى قائمة التراث العالمي.. وبذلك تصبح ثاني موقع سعودي يتم إدراجه إلى قائمة التراث العالمي بعد إدراج مدائن صالح. ولا يزال هناك الكثير من المواقع التراثية بالمملكة التي تستحق أن تدرج على قائمة التراث العالمي، لما تمثله من قيمة ثقافية وحضارية أصيلة. وأعتقد أن وزارة السياحة والآثار بالمملكة قد نجحت بالفعل في عدة أمور، أهمها الحفاظ على المناطق التراثية بالمملكة، ووقف أشكال التعدي عليها، إما بالتغيير أو الهدم. ولا يزال الطريق طويلا أمام القائمين على هذا العمل للحفاظ على تراث المملكة، نظرا للمسؤولية الضخمة والعبء الكبير الملقى على عاتقهم، والذي يستدعي تنبيه الرأي العام بالمملكة بكل وسائل الدعاية والإعلام إلى أهمية هذا التراث وأهمية الحفاظ عليه، سواء كان تراثا إسلاميا يعود إلى العصور الإسلامية أو تراثا لعصور ما قبل الإسلام، فكلاهما يمثل واقع الهوية السعودية.

وتعد المملكة العربية السعودية ملفا آخر لموقع جديد كي يسجل تراثا عالميا وهو موقع «مدينة جدة التاريخية»، والذي من المحتمل مناقشته في الدورة المقبلة في يوليو (تموز) 2011، ونتمنى كل التوفيق لزملائنا بالمملكة. ومبعث سعادتي هو أن البلدان العربية بدأت تتخذ خطوات جادة للحفاظ على تراثنا الثقافي والحضاري بعد سنوات كثيرة من الإهمال تعرض فيها تراثنا لنكبات كثيرة من دون أن يجد الحماية الكافية، سواء من قوانين الدولة أو القائمين على حماية التراث.

ولموقع «الطريف» أهمية خاصة خلال القرنين الثامن والتاسع عشر، فمنه انطلقت روح الدفاع عن الكيان السياسي والاجتماعي لشبه الجزيرة العربية، ووقفت ضد أطماع الدولة العثمانية ونائبها محمد علي في مصر. وتتميز المدينة التي اندثر للأسف جزء كبير منها بطراز معماري خاص لا تجده في أي مكان آخر.. وقد أقرت لجنة التراث العالمي بأصالة هذا الطراز وبقائه من دون أي تغيير جوهري عليه، وكذلك بالقيمة الروحية للمكان الذي يمثل فترة من فترات النضال والوقوف في وجه المعتدي.

وتأتي أهمية إدراج المواقع الأثرية والتاريخية ضمن مواقع التراث العالمي لأن هذا الإدراج يعتبر دافعا قويا للحفاظ على المواقع المسجلة وتنميتها، بحيث يستفيد الموقع والبيئات المحيطة به، وكذلك الأشخاص الذين يعيشون إما داخل أو خارج حدود الموقع المسجل.

بمعنى أن كل موقع تراث عالمي يجب أن يكون متاحا للزيارة للاستفادة من قيمته، وأن يجري تطوير الموقع بما لا يمس أصالته، وأن يخدم في الأساس المجتمعات التي تقيم بالموقع وحوله.

أتمنى أن نجد في كل بلد عربي هيئة أو وزارة مهمتها بالأساس الحفاظ على تراث البلد، سواء التراث الطبيعي أو الحضاري، وأن تساعد قوانين البلد القائمين على حفظ التراث لكي يؤدوا دورهم على الوجه الأكمل.. ومبارك للإخوة في المملكة العربية السعودية.