لماذا «أشعلنا» جونز؟

TT

غريب.. سهولة تحويل إنسان مغمور في كنيسة مغمورة في بلدة عادية من بلدات أميركا إلى حديث العالم كله، من رئيس أميركا إلى بابا الفاتيكان إلى الأمين العام للأمم المتحدة إلى رموز المسلمين والعرب كالأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى.

تيري جونز، الذي دعا إلى يوم عالمي لحرق نسخ من القرآن، هو قس «مغمور» كما وصف من قبل وسائل الإعلام، يعيش في «غينسفيل» وهي مدينة صغيرة سكانها 200 ألف نسمة، وهذا القس المثير ليس إلا رجلا من عشرات الرجال المصابين بهوس الشهرة ومرض الإثارة، مثل غيره من مهاويس البشر في شرق الأرض وغربها، لكن هوسه اكتسب هذه المرة بعدا جديدا ودوليا بسبب حساسية الظرف والوقت في العلاقة بين المسلمين وبقية العالم.

التوقيت غاية في الذكاء «الشرير» إن كان جونز يدرك ذلك، لست أتحدث عن مناسبة ذكرى هجمات 11 سبتمبر (أيلول) التي تحل هذه الأيام، بل أيضا حلول عيد الفطر ونهاية شهر رمضان. حيث المشاعر الدينية على أهبتها لدى المسلمين.

أول من تنبه لخطر هذا التصرف الاستعراضي من قِبل هذا الرجل الأميركي الأرعن كان قادة الجيش الأميركي العامل على أرض الميدان في أفغانستان وغيرها، فنبه الجنرال بترايوس إلى خطورة هذا الأمر وأنه سيوفر دعاية مجانية لجماعة طالبان، ليبادر أوباما إلى إدانة هذا العمل وشجبه، وكذلك هيلاري كلينتون، وأبدت ارتياحها لإدانة العالم لتصرف القس الاستعراضي.

هذه الإدانات الغربية والدولية لتصرف رجل هامشي، ينتمي لكنيسة هامشية في أميركا، هي إدانات استباقية وتصرفات وقائية حتى لا يخرج أسامة بن لادن أو صديقه الظواهري أو غيرهما من خطباء «القاعدة» أو حتى خطباء ومثقفي كثير من الإسلاميين لأخذ هذا التصرف كوثيقة على أنه لا يمكن التواصل مع الغرب أبدا، وأنه يجب إبداء العداوة لهم أو على الأقل الحذر منهم بشدة. والدليل أن هذا الغرب يكن لنا العداء، والدليل هذا القس (تيري جونز) الذي كشف لنا حجم العداء.

الذي يقلق في هذا كله، هو سهولة نشر عدوى التطرف والزكام الأصولي بسهولة من خلال عطاس الإعلام المستمر.

لولا الإعلام ما عرفنا شيئا عن هذا القس الذي يتوقع أنه سينهي الإسلام من خلال حرق بضع نسخ من القرآن، أو أنه بذلك سينتقم من الدين الذي يدين به أكثر من خمس البشرية!

نهاد عوض رئيس مجلس العلاقات الإسلامية الأميركية (كير) قال إن جونز يسعى إلى الشهرة وإنه يرأس كنيسة مفلسة ويريد بهذه التصرفات لفت الأنظار وجمع المال، الغريب أن عوض نفسه قرر أن يساعدهم، من حيث يريد أو لا، في لفت الأنظار له من خلال القيام بأداء صلاة العيد قريبا من بلدة القس نكاية به!

امرأة «عاقلة» تقطن في نفس حي كنيسة القس الأرعن جونز أكدت أن «الإعلام يزيد الحطب على النار، وهو مجنون (القس)».

عالم هش فعلا، قابل للخدش والكسر عند أي امتحان.

كيف استطاع قس نكرة أن يقيم العالم كله من أجل خطوة حمقاء لا تغير شيئا. ولن تضير الإسلام والمسلمين البتة، هل نحن كلنا قابلون للاشتعال إلى هذه الدرجة وبهذه السرعة؟!

هذا هو الأهم في الحكاية كلها، وهذا هو الذي يجب البحث فيه عن إجابة، ومن المسؤول عن هذه القابلية السريعة للاشتعال: الإعلام أم صعوبة إيجاد لغة مشتركة بين ثقافات الأرض.

أين الخطأ؟

[email protected]

أخيرا: كل عام وأنتم بخير وعيدكم مبارك.